أهمية العودة إلى العلماء في فهم النصوص الشرعية

سلسلة مقالات فقه المحنة

أخرج الإمام مسلم في صحيحه، بسنده عن التابعي: يزيد بن صهيب أبو عثمان الكوفي، قال:
((كنت قَد شغَفَني رأي (أي أعجبني) من رأي الخوارج، فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد الحج، ثم نخرج على الناس (أي: لنقاتلهم)، فقال: فمررنا على المدينة، فإذا جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) يُحدِث القومَ – جالسا إلى سارية – عن رسول الله صلى الله وعليه وسلم، قال: فإذا هو قد ذكر الجهّنميين وهم: (قوم تمتحشهم النار، وتصل منهم على قدر أعمالهم، ثم يخرجون منها إلى الجنة) قال: فقلت: يا صاحب رسول الله: ما هذا الذي تحدثون!؟
والله يقول: ( إنك من تدخل النار فقد أخزيته)،(وكلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها) فما هذا الذي تقولون؟! فقال له:
أتقرأ القرآن؟ قال يزيد: نعم، قال: فهل سمعت بمقام محمد عليه الصلاة والسلام، يعني الذي يبعثه الله فيه؟ قال يزيد: نعم، قال: فإنه مقام محمد صلى الله عليه وسلم المحمود الذي يُخرج الله به من يُخرج.
ثم نَعَت (أي: وصف) جابر وضع الصراط، ومر الناس عليه، وأن قوماً يخرجون من النار بعد أن يكونوا فيها..
قال يزيد: فرجعنا (أي: إلى الكوفة) قلنا: وَيحَكُمْ! أترون الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله وعليه وسلم؟!))
هكذا نفع الله (يزيد)(بجابر) رضي الله عنه، ورجع عن عقيدته بالتكفير بالذنب، والخلود به في النار، واعتراضه عليه بظواهر النصوص القرآنية.
وهذه حالة تتكرر اليوم من شباب عرفوا ظواهر بعض النصوص الشرعية، وعملوا بها، وغفلوا عن غيرها، من النصوص الشرعية الأخرى، ولم يرجعوا إلى العلماء في فهمها.
فلا بد من التنبه لها، والحذر منها، فلكم أضاعت اليوم من شباب، ولَكَم أشاعت من فساد!!
يقول الإمام ابن تيمية – رحمه الله -:
((وكان شيطان الخوارج مقموعا لما كان المسلمون مجتمعين في عهد الخلفاء الثلاثة، أبي بكر، وعمر، وعثمان –رضي الله عنهم- فلما افترقت الأمة في خلافة علي – رضي الله عنه – وَجَدَ شيطان الخوارج موضعَ الخروج، فخرجوا، وكفروا علياً ومعاوية ومَن والاهما..)) نسأل الله العافية من أمثال هؤلاء.. مجموع الفتاوى (19/89).

***

٩ مايو ٢٠١٣ · 

استوقفتني حكمة، نقلها الأخ الأستاذ: بدر الدين الخراط- وفقه الله- خلال مداخلته في مقالة لي سابقة، ومناقشته لبعض الإخوة المداخلين، عن الإمام أحمد بن حنبل-رحمه الله تعالى- يقول فيها:
(لا يكفي حُسْنُ النية، فمن الناس مَنْ زين له سوء عمله، فرآه حسناً)
فأحببت أن أذكر نفسي وإخواني الذين يُبررون أخطاء كثير من الناس بحسن نيتهم، بأن الله عزوجل لا يقبل من الأعمال، ولا يُصلح الأعمال بمجرد حسن النية، وإنما يتقبلها ويصلحها بتحقق شرطين اثنين فيها، وهما: حُسنُ النية، وصواب العمل.
فلا يكفي المرء لقبول عمله عند الله عز وجل في الدنيا والآخرة، أن يكون عمله صوابا، إذا افتقد حسن النية فيه، كما أنه لا يكفي لقبول عمله، أن يكون حسن النية فيه، إذا افتقد الصواب والسداد فيه.!!
ويظهر هذا جليا إذا تمعنا في معنى الآية الكريمة التي نكررها كثيرا، وهي قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا، اتقوا الله، وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم، ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله، فقد فاز فوزا عظيما). الأحزاب /70/
إذ نجد في هذه الآية الكريمة: أن الله عز وجل علق إصلاح عمل المرء في الدنيا، وتقبل الله له في الآخرة، وغفران ذنبه بكل من التقوى والسداد.
فإذا تحققت التقوى والإخلاص في النية، وتحرى المرء الصواب والسداد في القول والعمل، تقبل الله عمله في الدنيا، وأصلحه له، وجعله مؤثرا نافعا، كما يرضى عنه في الآخرة، ويغفر له ذنبه، ويكون من الفائزين.
اللهم إرزقنا الإخلاص في النية، وحققنا بالتقوى، وارزقنا الصواب والسداد في جميع أعمالنا وأقوالنا، لنكون من عبادك الفائزين المقبولين… إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير…

 ١٣ يونيو ٢٠١٣ ·