أي الفريقين أحق بالعَجَب والعَتَب إن كنتم تعلمون!!

سلسلة مقالات فقه المحنة

لا يزال فريق من الأفاضل من أهل العلم يعجبون ويعتبون من استمرار الحديث عن فقه المحنة القائمة، والكتابة عن فقه الموازنات وبعض القواعد الشرعية، والتحذير من حمل السلاح وثورة الشباب… ويرون ذلك من الحديث الصواب في الوقت الخطأ، وأن هذا الحديث لم تعد له فائدة أو قيمة عملية واقعية… وأنه يفرح النظام القائم، لما فيه من تثبيط الشباب وثنيهم وفَلّ عزيمتهم عن متابعة المقاومة وحرب التحرير… ويتمنى أن يُسكت عن ذلك الفقه والنصح، ويستبدل بالكلام عن النظام ومدى شرعيته وأعماله…!!! وأن ما نقوله صار الآن نشازاً، وأذاناً في مالطة!!
وتوضيحاً لبعض الحقائق أقول:
1- إن الفريق الآخر المُتعجَّب منه، والمعتوب عليه، لم يَقُل هذا الكلام، ولم يبذل هذا النصح للشباب في الوقت الخطأ –كما يتصور الفريق الآخر مخطئاً- وإنما قاله قبل البدء بالأحداث وأثناءها، تبصيراً للشباب المتحمس، وتحذيراً لهم من مخالفة المنهج الشرعي الرباني في التغيير والإصلاح…
إلا أن الشباب وجدوا في موقف آخرين من أهل العلم تشجيعاً وتأييداً، كما رأوا في موقف آخرين سكوتاً وتفرجاً، مما دفعهم إلى الإعراض عن النصح، والانجرار وراء هذه الفتنة المهلكة، معجبين بفهمهم وآرائهم، معتقدين بأنفسهم أنهم قادرون على الإصلاح، مع مخالفة السنن الربانية والمنهج الشرعي في التغيير، ظانين أنهم يحسنون صنعاً!!
2- إن الفريق المتعجب منه، لم ينطلق في نصيحته الشرعية، من اجتهاد فردي، أو من مجرد خوف –كما توهم كثير من الناس- وإنما انطلق في موازناته من اجتهاد جماعي، وتدارس شوري بين خيرة من أهل العلم والفضل المعروفين، والمشهود لهم بالعلم والتُّقى، حتى من قبل الناقدين لهم، والمتعجبين من موقفهم المخالف لموقفهم…
وذلك بناء على فقه الموازنات، وفقه الواقع، وفقه المآلات الذي غفل عنه الكثيرون… قياماً بواجبهم، وإبراء لذمتهم، وإعذاراً أمام ربهم، وأملاً بالاستماع إليهم… ولا يخفى على أحد واجب العلماء والعقلاء في البيان والنصح…
ولم يُثنهم عن ذلك خوفهم من طعن الآخرين فيهم، أو مخالفة الكثيرين لهم، ولا اتهامهم بالجُبن والخوف أحياناً، أو بالضلال والنفاق والتقرب من الحاكم أحياناً أخرى…
3- إن الناس ليسوا بحاجة اليوم، ولا وقت وقوع الفتنة إلى من يشغلهم، أو يُثلج صدورهم بالحديث عن واقع النظام القائم، والفساد والظلم المنتشر فيه، بدلاً من بذل النصح لهم، وإرشادهم إلى الطريق الشرعي القويم في الإصلاح والتغيير… ذلك لأن جُلّ القائمين على النظام، والمسؤولين فيه معترفون به، ومصرحون به علناً، وواعدون بالعمل على إصلاحه ، وداعون إلى التعاون في سبيل ذلك..
وإن الفساد المتزايد اليوم، والقتل والخراب والتدمير الذي يشهده الجميع، يشترك في تحمل إثمه ونتائجه المباشر له، والمتسبب فيه، ولا يصح تحميله لطرف واحد مهما اختلفت فيه نسبة التحمل لهذا أو ذاك، وهو ملحوظ ومتوقع من الخطوة الأولى في الطريق الخطأ..
4- أما الدعوى بأن الحديث عن فقه الموازنات والمآلات أصبح اليوم حديثاً نشازاً!! فلا حرج وإن كان قد أصبح قليل جدوى، فإنه بدأ كثير من الشباب وبعض الشيوخ يتفهم خطأه، ويندم على ما أقدم عليه، ويعلن عن تراجعه وعودته إلى المنهج الحق والصواب سراً وعلناً..، وقد أنبأنا –صلى الله عليه وسلم- عن قدوم اليوم الذي يرى فيه الناس المنكر معروفاً، والمعروف منكراً، وأنه يأتي يوم تطيش فيه عقول الرجال، حتى لا تكاد ترى رجلاً عاقلاً.. وأن الخروج من مثل هذه الفتن، ليس بالولوج فيها، والتشجيع عليها، ولا بالسكوت عنها، وإنما بالخروج منها لمن دخل فيها…
أسأل الله عز وجل أن يرينا الحق حقاً، ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يجنبنا وأهلنا والمسلمين جميعاً شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يوفقنا للاعتصام بكتابه وسنة نبيه، وأن يكرمنا بالفرج العاجل، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، إنه سميع مجيب، وختاماً أقول: أي الفريقين أحق بالعَجَب والعَتب إن كنتم تعلمون!!

٢٤ أغسطس ٢٠١٣ ·

***

يتساءل أحد اﻹخوة المعلقين على المقالة السابقة بماخﻻصته: (كيف نتبع الحق أمام اختﻻف الفريقين من العلماء الصالحين حول مايجري في بﻻدنا؟!أﻻ يمكن أن يكون الفريق اﻵخر على حق أيضا!!؟فماذا نفعل؟؟) وفي اﻹجابة عن هذا أقول :إن العلماء الصالحين المختلفين في هذا صنفان:مأجور ومأزور -وﻻيهمنا الحديث عن غيرالصالحين في هذا المقام – أما الصنف المأجور من العلماء:فهم الذين اجتهدوا في المسألة وبذلوا فيها جهدهم ووسعهم،وأعطوها حقها من الدراسة في ضوء النصوص الشرعية والقواعد المرعية،وفقه الموازنات وفقه الواقع وفقه المآﻻت…ثم أداهم اجتهادهم إلى هذا الموقف أوذاك،فإن هؤﻻء في نظرنا ﻻيعدمون أجراواحدا إن أخطؤا،أوأجرين إن أصابوا،فﻻتثريب على أي منهم إن شاءالله. أما الصنف المأزور منهم:فهم الذين قصروا في دراسة المسألة فلم يعطوها حقها من النظر في فقه الموازنات وفقه الواقع وفقه المآﻻت…وبنوا موقفهم على معلومات كاذبة زينت لهم،أوكانوا متابعين فيه لغيرهم من اﻷفراد أوالجماعات بحسب انتماءاتهم…فهؤﻻء في نظرنا يستحقون العقاب على تقصيرهم في حق مسألة خطيرة كهذه يترتب على الحكم فيها من المفاسد ماالله به أعلم،ومايشاهده الناس اليوم…أما صنف اﻷتباع المأجورين -إن شاء الله -:فهم الذين كان اتباعهم لهؤﻻء أوأولئك قائما على اعتقاد سابق لهم بعلم الذين اتبعوهم وتقواهم،ولم يكن بناء على هوى متبع في نفوسهم،أوعلى عصبية انتمائية لحزب أوجماعة،وكانواغير قادرين على التمييز بين الفريقين من العلماء….أم الصنف المأزور من اﻷتباع:فهم الذين كان اتباعهم لأحد الفريقين من العلماء قائما على هوى متبع،أوعصبية انتمائية،أوعلى بغض أوحقد على جهة أوثأر منها…أوكان موقفهم بحثا عن منفعة قائمة أومتوقعة،أومصلحة دنيوية موهومة…فهؤﻻء في نظرنا مشاركون في اﻹثم للآثمين،ويستحقون العقاب،وﻻيشفع لهم عند الله اتباع فﻻن أوفﻻن….أسال الله عزوجل أن يجعلنا جميعا من الصنفين المأجورون،وأن يبعدنا عن الصنفين المأزورين،وأن يهدي الجميع إلى مافيه الخير والهدى،وأن ﻻيشغلنا بالحكم على هذا الفريق أوذاك،فقد زلت في هذا اليوم أقدام كثير من العلماء،الذي ضللوا مخالفيهم أو خونوهم،أوحكموا عليهم بالجهل وعدم الفهم،أواتهموهم بأنهم مأجورين للحكام،وسلقوا إخوانهم من أهل العلم بألسنة حداد…فهو سبحانه الحكم العدل،والهادي إلى سواء السبيل. والحمد لله رب العالمين.

٢٩ أغسطس ٢٠١٣ ·

***