الإصلاح والتغيير مَنوط بالقدرة والاستطاعة الشرعية، إذ لا واجب مع العجز
قد تقرر في الشريعة الإسلامية: أن التكاليف الشرعية مشروطة بشروط أهمها: تَوَفر القدرة والاستطاعة، فما أوجبته الشريعة من أحكام، وما شرعته من الواجبات، وما جعلته شرطا أو ركنا فيها، فهو منوط بالاستطاعة، فلا تكليف مع العجز.
والمراد بالاستطاعة هنا: الاستطاعة الشرعية التي يحصل بها الفعل من غير مَضَرة أو مفسدة، لأن الشريعة لا تنظر إلى إمكان الفعل فحسب، بل إلى إمكان الفعل مع لوازمه، فإن لم يمكن للمكلف أن يفعل الفعل إلا مع مضرة راجحة، فهو عندئذ لا يكون على الحقيقة قادرا ولا مستطيعا…
وعلى هذا: لا يكون الإصلاح واجبا، ولا التغيير جائزا إذا عجز المكلف عنه أو عن فعله دون مفسدة راجحة..
وقد كان المسلمون يأتون رسول الله صلى الله وعليه وسلم من بين مَضروب ومشجوج يَتظّلمون إليه، ويستأذنونه بالدفع والتغيير للواقع مع إمكان القتال، فيقول لهم: اصبروا فإني لم أومر بالقتال…
ملاحظة: المقالة مقتبسة بتصرف يسير من بحث للشيخ: فتحي بن عبدالله الموصلي، بعنوان: (ضوابط الإصلاح والتغيير، وأصوله الشرعية).
***
يقول الإمام ابن قيم –رحمه الله- في كتابه (إعلام الموقعين) (3/831): (إن النبي صلى الله وعليه وسلم كان يكُف عن قتل المنافقين، مع كونه مصلحة، لئلا يكون ذريعة إلى تنفير الناس عنه وقولهم: ( إن محمدا يقتل أصحابه)، فإن هذا القول يوجب النفور عن الإسلام ممن دخل فيه، ومَنْ لم يدخل فيه، ومَفسدة التنفير أكبر من مفسدة ترك قتلهم، ومصلحة التأليف أعظم من مصلحة القتل).
فمصلحة الإصلاح الشرعي، والتغيير الحقيقي، لا تتحصل بردود الأفعال، ولا تنْهض بالسباب والشتام، ولا تقوم بمجرد رفع اللافتات والشعارات، ولا تُبنى على التخيلات والتوهمات، ولا تكون باستعجال المواجهات والمصادمات… بل تتحصل بالفهم الدقيق لمقاصد الشريعة، والنظر الثاقب في باب المصالح والمفاسد، والبصيرة التامة بالحق، والتَضَلع الكبير بأحكام النوازل، مع رسوخ في العلم، وإخلاص في العمل، وصدقٍ في القول، وربانية في المنهج، وخبرة بالواقع، وصَبر على البلاء، وشجاعة في القلب، ورحمة بالخلق…
المقالة مقتبسة من بحث (ضوابط الإصلاح والتغيير) للشيخ: فَتحي بن عبدالله الموصلي.
***