حول ما يسمى بـ’ المجلس الإسلامي السوري ’

أجوبة على تساؤلات حول الحراك الشعبي, سلسلة مقالات فقه المحنة

أيها اﻷحبة:
كتب إلي عدد من اﻹخوة يبشرونني باجتماع عدد من علماء بلدي سورية، في مجلس سمي بـ(المجلس اﻹسلامي السوري)، متفائلين بدرء الفتنة القائمة في بلادنا على أيديهم، وتدارك القتل والخراب والدمار الذي أوصلتنا إليه تلك الفتنة التي ﻻ يزال بعضهم يسميها جهادا أوثورة!!!!
ويسألني هؤﻻء اﻹخوة عن مدى تفاؤلي بحل اﻷزمة عن طريقهم؟ بل ويعجب بعضهم من عدم وجودي بينهم، وعدم انضمامي إلى صفهم!!؟ مع أني من أكثر الناس المتحمسين إلى جمع الكلمة، وتشكيل نواة لما يسمى(أهل الحل والعقد )!!!
فأجبت بعضهم على انفراد، وعلى بعض الصفحات الخاصة بهم، فألح بعضهم على ضرورة تعميم إجابتي لهم على صفحتي الخاصة، نظرا لكثرة المتسائلين والمتعجبين… فترددت أوﻻ في اﻻستجابة إلى طلبهم، خشية أن تغلب مفسدة اﻹجابة على المصالح التي تتعلق بها آمال كثير من الشباب بمثل هذه الروابط والمجالس التي سمعنا عنها… ثم انشرح صدري لبيان ذلك نظرا لكثرة الراغبين في ذلك وإلحاحهم من جهة، ودفعا للإحباطات المتلاحقة من خلال تلاشي كثير من تلك اﻵمال المعقودة على هذا التجمع أو ذاك من جهة أخرى، وتمشيا مع منهجي الثابت في ضرورة توضيح اﻷمور، ومصارحة المتسائلين عنها…
ولعلي أجعل اﻹجابة في عدة مقاﻻت متتابعة دفعا للإطالة… ذلك ﻷن اﻷمل الذي يعقد على أي تجمع من التجمعات، ﻻبد من أن يكون مبنيا على نظرتين اثنتين أساسيتين في نظري، هما:
نظرة في طبيعة المجتمعين، وإمكاناتهم القائمة على تحقيق أهداف ذلك التجمع، ونظرة في طبيعة اﻷهداف التي وضعت لهذا التجمع وآليات تطبيقها…

وسأتناول هاتين النظرتين في المقاﻻت القادمة إن شاء الله، سائلا الله عز وجل أن ينفع بها، وأن يسددني فيها.
وإلى اللقاء في اﻷسبوع القادم إن شاء الله.

٢٦ أبريل ٢٠١٤

حول ما يسمى:
( المجلس الإسلامي السوري )
المقالة الثانية: من خلال النظرة اﻷولى في طبيعة المجتمعين، فإني قد عرفت بعضهم، ورأيت فيهم بعض أهل الفضل والعلم الذين أعرفهم سابقا – وﻻ أزكي على الله أحدا – إﻻ أنني قلت في نفسي: كيف آمل أن توأد الفتنة على يد من ﻻ يراها فتنة في اﻷصل، وينكر على من رآها فتنة!!!
أو على يد من شارك في قيامها واشتعالها من أيامها اﻷولى، ووصفها بالثورة المباركة، أو بالجهاد الشرعي!!!! 
أو ممن دعمها بعد قيامها وشجع على استمرارها وركب موجتها!!!
كيف آمل أن تحل اﻷزمة على يد من حكم عليها في أيامها اﻷولى بأنها عملية انتحارية، وبرر اﻻستمرار على دعمها والتشجيع عليها، بناء على وعود كاذبة، لكنها قوية في نظره، على حسم الأزمة خلال شهر أو شهرين، غافلا عن حجم المؤامرة وأبعادها وأهدافها الحقيقية!!!! 
وكيف آمل أن تحل اﻷزمة على يد من وصفها في شهورها اﻷولى بأنها دخول في نفق مظلم، ولم يجرؤ على الدعوة إلى الخروج من هذا النفق المظلم في نظره، وهو ﻻيملك الضوء الذي ينير به ذلك النفق!!!!

أيها اﻷحبة: 
إن التجمعات التي يجوز أن تعقد عليها اﻵمال، هي تجمعات عقلاء اﻷمة وعلماؤها الذين عرفوا الواقع حق المعرفة، سواء عرفوه سابقا فبل وقوع اﻷزمة أو بعد وقوعها، والذين تابعوا حالها وتطوراتها، وملكوا الجرأة في قول كلمة الحق، وفي الرجوع إليه، دون أن يخافوا في الله لومة ﻻئم، والذين يملكون الجرأة في عقد الموازنة الصحيحة الواجبة بين مفسدة التوقف عن الخطأ، وبين مفسدة اﻻستمرار فيه، دافعين المفسدة الكبرى بالصغرى – كما هو الواجب الشرعي في مثل هذه اﻷزمات – معلنين ذلك على رؤوس اﻷشهاد، متحررين من الخضوع للأمراض النفسية، ومن دوافع اﻵمال واﻷحلام التي يزينها شياطين اﻹنس والجن، ومن الضغوطات المحلية واﻹقليمية، الداخلية والخارجية… راجين في ذلك مرضاة الله عز وجل وحده، ولو أسخط ذلك الناس من حولهم…

أسأل الله عز وجل أن يحقق هذا فينا وفي جميع إخواننا، وأن يأخذ بأيدينا وأيديهم إلى مافيه رضاه، إنه الموفق والمعين..
وإلى المقالة الثالثة إن شاء الله..

حول ما يسمى

( المجلس الإسلامي السوري )
المقالة الثالثة: 
أيها اﻷحبة: النظرة الثانية في طبيعة أهداف هذا التجمع وآليات تطبيقه
فقد نظرت في أهدافه ورأيت منها: حشد الدعم لثورة شعبنا في سورية، والتعاون على ترشيدها، والمحافظة على مكتسباتها.
فكيف يأمل المرء ممن ﻻ يزال يرى الفتنة القائمة، والحراك الطائش، والمؤامرة الكبرى على البلاد والعباد ثورة تستحق الدعم والتشجيع!!!!!

ويدعو إلى التعاون على ترشيدها وتسديدها، وإلى الحفاظ على مكتسباتها!!!!!
كيف يأمل المرء خيرا ممن ﻻ يزال يرى بعد أكثر من ثلاث سنوات من المحنة القائمة مكتسبات عظيمة تستحق الذكر واﻹشادة بها، أمام ما يراه الكبير والصغير، والعالم والجاهل، والعدو والصديق من خسائر مادية ومعنوية، تتمثل في قتل اﻵﻻف، وتشريد الملايين، وتخريب العمار والديار..!!!!! 
كيف يأمل من أمثال هؤﻻء أن يعقدوا تلك الموازنة الدقيقة الواجبة المتجردة بين المفاسد المتحققة، واﻷضرار الناطقة، ليدفعوا المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى، وهم ﻻيزالون يرون فيها المصالح العظيمة المتحققة التي يفخر بها، ويستزيد منها، ويضحي في سبيلها بما تبقى من العباد والبلاد.!!!! 

أيها اﻷحبة:
أرجو بعد هذه التوضيحات أن يلتمس لي اﻹخوة المخالفون لموقفي العذر في عدم تفاؤلي من مثل هذه التجمعات، وعدم ترحيبي بها، كما أرجو من اﻹخوة المشاركين لي في هذا الموقف، أن يدعوا معي الله عز وجل أن يعيد للمسلمين عامة، ولعلمائهم خاصة عقلهم ورشدهم، وأن يقينا جميعا شر هذه الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظ لنا مابقي من العباد والبلاد في بلادنا المباركة، فإنه على مايشاء قدير، وباﻹجابة جدير…
والحمد لله رب العالمين..

***

حول ما يسمى
(المجلس الإسلامي السوري) 
المقالة الرابعة:
أيها اﻷحبة:
كتب إلي بعض اﻹخوة المتابعين لمقاﻻتي اﻷخيرة التي تحدثت فيها عن التجمع الذي أطلق عليه اسم (التجمع اﻹسلامي السوري) مستغربين قولي ودعائي بأن يرد الله على اﻷمة وعلمائها عقولهم.. 
قائلين: هل تعني أن العلماء الذين خاضوا في الفتنة السورية القائمة، وشجعوا على القتال فيها، أنهم غير عقلاء!!!
وهل من أدب الحديث أن يقال عن بعض كبار أهل العلم: أنهم طاشت عقولهم في هذه الفتنة!
وفي اﻹجابة عن هذا أقول:
أوﻻ: إني لم أتهم أحدا من العلماء المخالفين لنا في رأيهم وموقفهم من الفتنة القائمة في سورية، بأنهم غير عقلاء – معاذ الله – على الرغم من اتهام بعضهم لنا تهما شتى! وإنما مدحت الذين وقفوا موقفنا منها بأنهم علماء عقلاء، وهذا القول ﻻيعني أبدا عند علماء اللغة واﻷصول، أن اﻵخرين ليسوا بعقلاء وﻻعلماء، ﻷن قولي عن إنسان ما: إنه عاقل، أو فهيم، أو كريم، ﻻ يعني أبدا نفي صفة العقل أو العلم أو الفهم أو الكرم عن غيره.
ﻷن مفهوم اللقب عند اﻷصوليين من المفاهيم الضعيفة التي ﻻ يجري فيها مفهوم المخالفة باتفاق، وذلك مثل قول الله عز وجل (محمد رسول الله) ﻻ يعني نفي صفة الرسالة عن غيره صلى الله عليه وسلم. 
وثانيا أقول:
إن قولي عن اﻵخرين بأنهم طاشت عقولهم في هذه الفتنة، ليس طعنا فيهم، وﻻجرحا لهم! وإنما تشخيص دقيق لحالهم وواقعهم فقط. إذ أنهم وقفوا موقفا خطأ في نظري، ﻻ يقره الشرع وﻻ العقل!!!
وﻻ غرابة في ذلك، أما طاش عقل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما سمع بوفاة النبي – صلى الله عليه وسلم -، وحمل سيفه وهدد كل من يقول: بأن محمدا قد مات! ولكنه لما سمع من أبي بكر رضي الله عنه قوله تعالى: (وما محمد إﻻ رسول) رجع إليه عقله وتوازنه وكأنه يسمع اﻵية الكريمة ﻷول مرة كما صرح بذلك..
فمن الناس من يعود إلى عقله ورشده بمجرد سماعه ﻵية أو حديث، أو لرؤيته الواقع ومشاهدته، أو لمس آثار الفتنة بيده.
وهناك من ﻻ ينفعه ذلك كله، ويبقى على حاله، كما هو حال كثير من الناس اليوم . 
وأخيرا أقول: إن قولي عن اﻵخرين بأنهم طاشت عقولهم، أعتمد فيه على تشخيص رسول الله صلى الله عليه وسلم الوارد في حديث أبي موسى اﻷشعري رضي الله عنه لما حدثهم صلى الله عليه وسلم عن قتل بعضهم بعضا في آخر الزمان، وسأله الصحابي قائلا:
ومعنا عقولنا يومئذ يارسول الله!؟
فأجابه بقوله (ﻻ، تنزع عقول الرجال.. الخ الحديث) 
فهل في تشخيصه صلى الله عليه وسلم طعن أوجرح!!؟؟ 

أسأل الله عز وجل أن يكرمنا بإعادة العقول إلى أصحابها، بعد أن تكشفت للجميع أبعاد المؤامرة الكبرى التي حيكت ﻷمتنا، وبعد أن لمس الصغير قبل الكبير اﻵثار الخطيرة المدمرة لهذه الفتنة، التي أهلكت العباد والبلاد، وأن يغفر لنا ويرحمنا، وأن ﻻيؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
إنه على مايشاء قدير.. والحمد لله رب العالمين.

١٧ مايو ٢٠١٤***

حول ما يسمى
المجلس اﻹسلامي السوري
(5)

أيها اﻷحبة:
كتب إلي بعض اﻹخوة ناصحين قائلين: ما دمت ترى أن ما يجري في سورية فتنة، فلم ﻻ تعتزل هذه الفتنة، وتتوقف عن الكتابة فيها؟ أليس الواجب الشرعي في الفتن اعتزالها، وعدم الخوض فيها؟ أﻻ يسعك ما وسع غيرك من الناس الذين اعتزلوها، وسكتوا عما يجري فيها ! 
وأقول في اﻹجابة عن هذا التساؤل:
إن اعتزال الفتنة شيء، والسكوت عنها شيء آخر!!! فإن اعتزال الفتنة يعني: عدم اﻻنحياز فيها لطرف دون آخر، وعدم المشاركة في حراكها أو القتال فيها.
ولكنه ﻻ يستلزم السكوت عنها، وعدم التحذير من شرها وآثارها، وعدم الدعوة إلى الخروج منها.
ﻷن في السكوت عنها نوع إقرار غير مباشر لها، وعدم إنكار لمنكرها، وفسحا لمجال استدراج الناس إليها من قبل شياطين اﻹنس والجن.
وهذا بعض ما يطلبه أرباب الفتن والمتحركون فيها. وإذا جاز لعامة الناس، أولزم اعتزالهم لها، فلا يجوز ذلك في حق العلماء الذين أقامهم الله في مقام النصح والتحذير من شر الفتن، وﻻ سيما أولئك الذين أعطاهم الناس الثقة، فرجع إليهم الكثير ممن التبست عليه اﻷمور، وكان لهم الفضل في معرفتها وكشف أمرها والتحذير من خطرها منذ أطلت بقرنها.
فإن في سكوت أمثال هؤﻻء عنها ﻻحقا، بعد تحذيرهم منها سابقا، وسيلة إلى استمرار أمرها واستفحال شرها، كما حدث ويحدث حاليا من بعض أهل العلم الذين سبق لهم التحذير منها، ثم مالوا إلى السكوت عنها، فظن كثير من الناس فيهم، تغير موقفهم منها، فخاضوا فيها بعد توقف، واستدرجهم إليها شياطين اﻹنس والجن…!!! 
وإﻻ فما أسهل أن يسكت المرء عنها، ويخلد إلى الراحة من همها، غير مبال بما يشهده من وبال أمرها، واستفحال شرها، ويلبس عليه إبليس بأن في سكوته هذا، القضاء عليها، وانتهاء أمرها. 

وفي الختام: 
أعود فأذكر اﻹخوة اﻷحبة بالوصفة النبوية الشريفة التي عهد بها إلى أمته إذا وقعت فيهم هذه الفتن، ( أن يخرجوا منها، كما دخلوا فيها، ﻻ يحدثون فيها شيئا) كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه ابن ماجة، عن أبي موسى اﻷشعري -رضي الله عنه – الذي أوردته وكتبت عنه سابقا في هذه الصفحة.

أسأل الله عز وجل أن يلهمنا الرشد، وأن يعجل بالفرج… والحمد لله رب العالمين..