أيها الأحبة:
صَعُبَ على بعض المتحمسين لقتال الفتنة الذي يقع اليوم في بلادنا، وعلى المدافعين عنه تحميلُ ما قرره الشرع الإسلامي من تحميلِ المتسببين في قتل الناس، المشاركةَ في إثم المباشرين للقتل، الذي تحدثتُ عنه كثيرا في مقالاتي، وأكدت على أنه محل اتفاق بين العلماء.

فدفعتهم الغيرة على المتسببين في القتل مرةً، إلى دفع هذه القاعدة المتفق عليها، بقاعدة فقهية أخرى مختلف فيها، وأخطئوا في فهمها..!!!
فذكر أحدهم قاعدة ( إن المباشر للقتل قطع حُكمَ المتسبب فيه) غافلا عن أن هذه القاعدة –على الرغم من الخلاف فيها- واردة في حكم تَحَمّل دية المقتول، فجعلت الدية على المباشر للقتل دون المتسبب فيه.

ثم بحثوا عن دفاع آخر، فوجد صاحب الدفاع الأول دفاعا غريبا عجيبا مضحكا، فكتب على صفحات الفيس بوك متسائلا، ما خلاصته: 
( أيمكن أن يكون في خيار بقاء الرسول صلى الله وعليه وسلم، وصحابته الكرام في المدينة المنورة يوم الخندق، واكتفائهم بحفر الخندق حولها، إثمَ التسبب في قتل المسلمين، فيما لو حصل القتل لأهل المدينة في تلك الغزوة !!!؟ أو أن يكون في اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام الخروجَ من المدينة يوم أحد، المشاركةُ للمشركين القاتلين للمسلمين في الإثم، حيث كان خروجهم إلى أحدٍ سببا في ذلك؟) !!!.

لقد أضحكني كثيرا هذا التساؤل، وفهمت أبعاده ومراميه في الدفاع عن المشاركين في قتال الفتنة الذي استفحل شره هذه الأيام، وكِدتُ أتجاهله كغيره، ولكني وددت أن أطلعكم على هذا المستوى العجيب من السفه الذي وصلت إليه بعض العقول اليوم !!!

هل وصل الأمر بعقل عاقل أن يقيس حُكمَ المتسببين اليوم بقتل الآلاف المؤلفة من المسلمين من خلال ما سمي (بالربيع العربي)، على جهاد رسول الله صلى الله وعليه وسلم، وجهاد صحابته الكرام الذين جاهدوا تحت قيادته صلى الله وعليه وسلم!!! فيعدّهم متسببين في القتل، ويُحملهم إثمَ القتل كما يَحمِلهُ المشركون المحاربون!!!

هل يتصور من عاقل أن يعقد مقارنة – ولو نظرية – بين قتال الفتنة المشؤوم وبين القتال المبارك من رسول الله صلى الله وعليه وسلم ومن صحابته الكرام!!!

وعجبا لمَ فات هذا المدافع عن المتسببين في القتل، تحميلُ رسول الله صلى الله وعليه وسلم، وصحابته الكرام، إثمَ من استشهد في بدر أيضا !؟
ألم يكن اختياره صلى الله وعليه وسلم لذلك، بعد مشاورة أصحابه سببا في القتل أيضا.. ؟!! وهكذا …

إن هذا والله لأمر عجيب !!
اللهم ثبت علينا عقولنا وديننا، ولا تفتتنا في ديننا، ولا تزغ
قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب.