مفهومٌ لابد من أن يُصحَّحَ، وشبهةٌ لابد من أن تُرَد

سلسلة مقالات فقه المحنة

تُبرِّر بعض القيادات الإسلامية والفكرية اليوم موقفها من بعض الأحداث الجارية في بلادها، وانحيازها لما أراد الشباب في حِراكهم، على الرغم من قناعة بعضها بعدم حكمة هذه الحراكات، وخطأ منهجها … بما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، حيث شاور الشيوخ أولا، والشباب ثانيا في الخروج إلى أحد، واختياره أخيرا رأي الشباب في الخروج عند اختلافه عن رأي الشيوخ في المشورة … زاعمين اقتداءهم به صلى الله عليه وسلم في ذلك، على الرغم من عدم قناعتهم به !!
وتصحيحاً لهذا المفهوم، ووفقاً لهذا الالتباس أقول :
إن العبرة الأساسية مما جرى قبل معركة أحد، يمكن تلخيصها في عدة أمور:
1- ينبغي للقائد المسلم في مثل هذه المواقف وغيرها أن يستشير الناس شيوخاً وشباباً، وأن لا يقتصر في شوراه على طرف واحد.
2- يجوز للقائد بعد هذه الشورى الأخذ بأي الرأيين إذا اختلفا، تبعا لما يراه من المصلحة في ذلك.
3- لا يلزم أي قائد بعد ذلك، ولا يُنْدب له مطلقا الأخذ بقول الشباب وتقديمه على قول الشيوخ، اقتداء بما فعله صلى الله عليه وسلم في أحد، وإنما عليه أن يختار القول الذي يراه أحكم وأسلم، وذلك في ضوء النتيجة التي حصلت يوم أحد من جهة، وفي ضوء المصلحة المتوقعة اليوم من وراء الأخذ بهذا القول أو ذاك من جهة أخرى.
ذلك: لأن تصرفه صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد وغيرها من الغزوات هو تَصرُّف إمامةٍ وسياسةٍ وقيادة -كما يسميه الأصوليين- وليس بتصرف تبليغٍ وفتوى يلزم الجميعَ التزامهُ والعملُ بهِ، فتصرفاتُ السياسة والقيادة تُناطُ بالمصالح والمفاسد التي يتوقعها القائد في زمانه، والتي قد تختلف من عصرٍ إلى عصر، ومن موقفٍ إلى آخر، خلافا لتصرفات الفتوى الملزمة في كل زمان ومكان.
لذا، كان من الواجب على القائد خاصة في مثل هذه المواقف، التحرّي لما فيه مصلحة، والأخذ بالقول الذي يحقق ذلك في اجتهاد القائد، بغض النظر عن قائله، شيوخا كانوا أو شبابا ..
ومن الواجب على المسلمين عامة، الرجوعُ في ذلك إلى العلماء الراسخين في العلم في فَهم النصوص الشرعية، والاستدلال بأحداث السيرة النبوية … حتى لا تُوضعَ النصوصُ في غير موضعها، أو يُستَدلَّ بأحداث السيرة النبوية على غير وجهها الصحيح، فَيُساءُ إلى النصوص الشرعية، ومواقف السيرة النبوية، من حيث يُراد الإحسان!!
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً وفقها في الدين …

١١ أكتوبر ٢٠١٣ ·