تعليقا على استشهاد العلامة الدكتور البوطي رحمه الله

حول الحراكات الشعبية

أعزي نفسي و إخواني المسلمين عامة، و علماء الأمة خاصة باستشهاد العالم العلامة، و المفكر الإسلامي الكبير، أكبر علماء بلاد الشام، فضيلة الأستاذ الدكتور: محمد سعيد رمضان البوطي -رحمه الله تعالى رحمة واسعة ، وجعله في عليين مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين- وعوض الأمة الإسلامية عن هذا المصاب الجلل ، و إنا لله وإنا إليه راجعون، والحمدلله على كل حال، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 
اللهم اقطع دابر هذه الفتنة، واحفظ للمسلمين دماءهم وأعراضهم وبلادهم و علماءهم…و اصرف عنهم شر سفهائهم، ومكر أعدائهم ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير ….

 

أيها الإخوة الأحبة:
إن من حكمة الله عز وجل أن جاءت مقالتَيَّ الأخيرتان تتحدثان عن بعض مظاهر الفتنة التي حذّرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبَيل استشهاد العلامة الكبير فضيلة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي –رحمه الله- بقليل ليكون قَتلُه في هذه الفتنة تصديقاً لما تَضمَّنته المقالتين السابقتين اللتين تتحدثان عن أمرين: شيوع القتل بين المسلمين، حيث يقتل بعضهم بعضاً، وانتزاع عقول كثير من الرجال، حتى لا تكاد ترى رجلاً عاقلاً.
فقد تم قتله –رحمه الله- وفقدت الأمة المسلمة بفقده عَلَماً من أعلامها، ورجلاً من عظماء رجالها، وطاشت بسبب مقتله عقول كثير من الرجال، فمن حزينٍ مترحم عليه، إلى متشكك فيمن قتله، ومهتم بالبحث عن القاتل، إلى سفيه يلعنه ويحكم عليه بالردة والكفر أو النفاق!! وقد امتلأت بذلك صفحات الفيس بوك، واجتمعت في صفحتي الخاصة التي عزَّيت فيها باستشهاده الأمةَ جميعُ هذه المواقف!!
فتعاملت مع الصنف الثالث الأخير تعاملي مع السفهاء والجهال الذين أُمرنا بالإعراض عنهم، فليس لهم مني إلا الحذف والحظر والدعاء لهم بالهداية…
وها أنا ذا، أتوجه اليوم إلى الصنف الأول الذي حزن على فقده، وترحم عليه، وعرف قدر علمائه، وخطر فقدهم، بالشكر والتقدير لهم جميعاً، من عرفت منهم ومن لم أعرف، فمصابنا واحد، أسأل الله عز وجل أن يحفظ لنا علماءنا، ويقينا شر أعدائنا وسفهائنا، وأن يعوضنا عن فقدهم خيراً.
كما أتوجه إلى الصنف الثاني الذي كاد كثير منهم أن يُشغل بتحليل أسباب قتله، والتعرف على قاتله، عن الترحم عليه، والأسى على فقده، وجَعَلَ نفسه في مقام القاضي، أو لجان التحقيق التي دعا إليها أطراف عديدة..!! بل كاد بعضهم أن يصل إلى كبد الحقيقة –في زعمه- قبل أن تُشكّل اللجان، فأصدر حكمه باتهام هذا أو ذاك بناء على تحليلاته وتوهماته… جاعلاً من الظن الذي لا يغني عن الحق شيئاً يقيناً، ومن الأوهام والتخيلات حقيقة ناصعة!!!
أقول لهؤلاء الأحبة: ماذا تفيد الفقيد –رحمه الله- التحليلات بعد فقده!؟ هل ترفع من مكانته عند الله أو تنزلها، وهو العليم الخبير؟ أم هل تُعوّض الأمة عنه بمعرفة السبب ومعرفة القاتل!؟ وهل تقرُّ عيونُ أهل الفقيد وأحبابه خاصة، وعيون الأمة جميعاً عامة بذكر سيئاته وأخطائه –إن ثبتت- ونشرها بين الناس!؟ أم نُريد أن نُخفف بذكرها ونشرها جُرمَ المجرمين، أم نريد أن نبحث لهم عن تبريرات تبرّر لهم قتلهم وجرمهم!؟ وأنّى لهم ذلك!!!
أودّ أن أذكر نفسي وأذكركم بالمنهج الشرعي النبوي الذي وُضعَ لنا في مثل هذا الموقف، والذي صَرّح به دعاءُ صلاة الجنازة على الميت، حيث جاء فيه :(اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه، ونقّه من الخطايا، كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس…) هذا الموقف الذي يتَمنّاه كل إنسان لنفسه، ويتطلع إليه بعد وفاته، ولا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه..
وإذا كان مثل هذا الدعاء لا يكتفي به بَعضنا، فتعالوا نتوجه إلى الله بدعائنا بعد ترحُّمنا على الفقيد واستغفارنا له، فنقول ونكرر :(اللهم أنت تعلم ولا نعلم، وأنت علام الغيوب، نسألك أن تنتقم عاجلاً غير آجل، ممن قتل فقيدنا، أو شارك في قتله، أو تسَبّب فيه بأي شكل من أشكال التسبب، وأن تخذله وتفضحه، وأن تُريح الأمة من شره، إنك على ما تشاء قدير، وبعبادك العليم الخبير. آمين).
فنكسبَ بذلك مكسبين: أداء حق الفقيد علينا بالترحم عليه والاستغفار له، وتقرّ عين الأمة بالانتقام من القاتل عاجلاً غير آجل… والحمد لله رب العالمين.

٢٤ مارس ٢٠١٣