من أين جاءتكم يا علماءنا تلك القناعات التي كنا نعجب لها!! ومن أين وصلتم إليها؟؟
أيها اﻷحبة:
كتب إلي أحد اﻹخوة المحبين-بعد ابتعاد له عني أكثر من سنة- معتذرا عن ابتعاده، ومضطربا مما يجري من حوله، ومتعجبا كل العجب مما يرى أو يسمع أو يقرأ من بعض قيادات الحراك السوري القائم من كﻻم يعبر عن اليأس والقنوط، أو عن شيء من التعقل الطارئ، والتبصر فيما آلت إليه اﻷمور في سورية الحبيبة.. قائﻻ:
(اﻵن عرفت قيمة كﻻمكم وبياناتكم السابقة التي كنتم تنتقدون فيها ما يجري من أحداث، وماكنتم تحذرون منه قبل الحراك القائم وأثناءه مما كان الكثيرون يسمونه جهادا..لا وتقولون: إنه يضر وﻻ ينفع، ويفسد وﻻ يصلح، ويهدم وﻻ يبني… بل يزيد الفساد فسادا، والظلم ظلما، والشر شرا… فمن أين جاءتكم يا علماءنا تلك القناعات التي كنا نعجب لها!!ومن أين وصلتم إليها..؟؟)
وطلب راجيا أن تكون إجابتي عامة على صفحتي الخاصة ليسمعها كثير ممن يتساءلون هذه التساؤﻻت… لكنني ترددت أوﻻ في اﻻستجابة إلى رغبته، وبعد اﻻستخارة انشرح صدري لذلك…
فأقول ملتمسا من القراء الكرام حسن التفهم لمقصدي الذي يعلمه الله في نفسي.
أيها اﻷحبة:
الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كثيرا من خلقه، فبصرنا فيما يجري من حولنا من أحداث خاصة وعامة…فهو الذي وفقنا بفضله، فهيأ لنا في حلب الجريحة اليوم ثلة كريمة من أهل العلم والعقل والفضل كانت وﻻتزال-إن شاء الله- موضع شورانا وثقتنا، وكان على رأسها فضيلة مفتي حلب سماحة الشيخ الدكتور: إبراهيم محمد السلقيني -رحمه الله رحمة واسعة،وجزاه عنا خيرا- ذلك العالم الرباني صاحب الخلق الكريم، والصدر الحليم، والعقل البصير، والنفس المتواضعة… الذي توفي وقلبه يعتصر ألما مما يجري في بلده، ويمتلئ أمﻻ بأن ينقذ الله العباد والبﻻد من شر جرهم إليه كيد الكائدين، وحماسة المتحمسين، وغفلة الغافلين، واستعجال المستعجلين…
فكان لسان حاله وقاله ينادي، أيها الناس: تعالوا نتعاون على البر والتقوى، فنعمل معا على إزالة أو تخفيف فساد بلينا به، وعلى دفع ظلم وقع علينا، وشر أحيط بنا.. ﻻيختلف عليه أحد.. فإن تحقق لنا ذلك، نلنا مانتطلع إليه جميعا، وتحققت آمال المصلحين الصادقين من أبناء الوطن الغالي… وإن لم يتحقق، نكون قد أعذرنا بذلك إلى الله عز وجل وإلى الناس، فإن الله ﻻيكلف نفسا إﻻ وسعها،ونحفظ بهذا دماءنا وأعراضنا وأموالنا وديارنا ووطننا، ونفشل به مخططات أعدائنا ومكرهم بنا… فاستجاب لهذا النداء القليل من العقﻻء، وأعرض عنه وطعن فيه كثير من الغوغاء والجهﻻء… معتمدين في ذلك على تقديرات مغلوطة، ورؤى ضبابية، وقدرات موهومة، ووعود كاذبة… فكان ماكان، وقدر الله وماشاء فعل، وﻻحول وﻻقوة إﻻ بالله العلي العظيم.
وما كان ذلك منا إﻻ بفضل الشورى الحقيقية التي وفقنا إليها، والتعاون الصادق الذي أكرمنا الله به.
هذا أيها اﻷحبة تفسير ما جرى معنا، وليس الوقت وقت تﻻوم وعتاب، وإنما هو وقت تبصر وتدبر، والرجوع إلى الحق والصواب، خير من التمادي في الباطل والخطأ، وإن الله ﻻيغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم…
وهأنذا أكرر اليوم فأقول: إن الفساد العام الذي نعيشه، والظلم القائم الذي نعاني منه، والدمار والخراب الذي وصلنا إليه، ﻻ يدفعه أبدا وﻻيخفف من شره تكرار الحديث عنه، حيث ﻻ يختلف العقﻻء حوله، وﻻ اللعن وﻻ الطعن في الظالمين والمفسدين، وﻻ الدعاء عليهم وحده… وإنما يخفف منه، وينجي من شره التعاون الجاد مع الصادقين على رفعه إن أمكن، أو التخفيف منه، وبذل الجهد من كل من يستطيع ذلك بالقدر الذي يحسن… فالله عز وجل يقول: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: (من يصدق الله يصدقه)…
وﻻحول وﻻقوة إﻻ بالله العلي العظيم.
***