إذا كان الحراك خطأ، ألا يسعنا تأيده بعد أن أصبح واقعا؟؟ بناء على القاعدة الفقهية القائلة: (يُغتفر في البقاء، مالا يُغتفر في الانتهاء)
كتب أحد الأحبة مستفسرا:
إذا سلمنا جدلا بأن الحراك الشعبي في بلادنا كان خطأ، ومخالفا للمنهج الشرعي الصحيح، أفلا يسعنا تأييده ودعمه بعد أن أصبح واقعا، بناء على القاعدة الفقهية القائلة: (يُغتفر في البقاء، مالا يُغتفر في الانتهاء)
وفي الإجابة عن هذا أقول:
إن القاعدة السابقة صحيحة ومُسَلّمَة، وهي واردة في المادة (55) من مواد مجلة الأحكام العدلية، إلا أن الاستشهاد بها والاعتماد عليها في هذا المقام خطأ محض!!
فإن معناها: أنه يغتفر ويُتَسامح في بقاء واستمرار حكم ما، لم تتحقق فيه شروطه الشرعية، ما لا يُتسامح فيه لو كان يُراد ابتداؤه على ذلك الوجه المخالف… كما لو أسلم كافر، يُعتبر نكاحه السابق صحيحا على الرغم من عدم توفر الولي والشهود فيه، أما لو أراد هذا الشخص أن يعقد عقد زواج آخر بعد إسلامه، فإنه لا يُغتفر في عقده الجديد ما اغتفر في العقد السابق… وهكذا…
وهذه القاعدة قائمة على مبدأ دفع الضرر والمشقة عن المرء المُقرر شرعا، لأن في إبطال مثل هذه العقود ضررا ومشقة لا تَخفى، والضرر يُزال شرعا، والمشقة تجلب التيسير.
أما الاستدلال بها على تبرير الاستمرار في الأخطاء، وعدم ضرورة الرجوع إلى الصواب، فهو استدلال خاطئ للأحكام الشرعية وقواعدها المقرّرة: بأن الرجوع إلى الصواب أولى من الاستمرار في الخطأ، بل هو واجب لتحقق التوبة الصادقة..!!
ومع هذا، واستكمالا للفائدة أقول: لو رأى العلماء والعقلاء مجتمعين أن الاستمرار في أمر ما أقل شرا وأخف مفسدة من الرجوع عنه، فلهم أن يقرروا ذلك بناءً على قواعد فقه الموازنات بين المصالح والمفاسد، ولا تترك مثل هذه الموازنات الدقيقة للمخطِئ والمفسِد نفسِه، الذي قد يصعب عليه الاعتراف بالخطأ والتراجع عنه، بل قد يرى المفاسد والشرور المتوقعة والمتوهمة أكبر بكثير من الشرور القائمة والمفاسد الواقعة، وقد يراها في نظره خيرا محضا.!!
وإنما تترك للقاضي الشرعي في مسألة من المسائل، وللإمام، ولمجموعة أهل الحل والعقد في الأمة في المسائل الكبرى، الذين وجب علينا الرد والرجوع إليهم في مثلها…
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.