كلماتٌ حَوْلَ ضوابط التَرك الذي يصلحُ حجةً في التحريم

مقالات وكتابات متنوعة

بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم 

من المقرر في القواعد الأصولية:

     إن التَرْك لا يصلح دليلاً على التحريم إلا إذا توفر معه شرطان:

     أ- إثبات وجود المقتضي للفعل في ذلك الوقت.

     ب- وإثبات عدم وجود المانع من الفعل في ذلك الوقت.

     فإذا توفر الشرطان دَلّ التركُ منه صلى الله عليه وسلم على المنع من الفعل تحريماً أو كراهةً بحسب المتروك.

لا يدخل تحت هذه القاعدة:

     ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في تركه تعليلٌ لذلك، مثل تركه صلاة التراويح مع الجماعة في شهر رمضان، فقد علل تركه ذلك في الحديث المتفق عليه بأنه خشيَ أن تفرض عليهم…

     وكذلك تركه أكلَ الضبّ، حيث سئل عن حكم أكله لما تركه، فقال له خالد بن الوليد رضي الله عنه: أحرامٌ الضب يارسول الله؟ قال: (لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافهُ) رواه مسلم وغيره..

فالحديث هنا:

     عن الترك النبوي المطلق غير المعلَّل، أما الترك المُعَلَّل، أو التركُ المعلوم حكمه من أدلة أخرى، فلا يدخل في هذه القاعدة، كالترك المصاحب ببيان حكمه قولاً أو فعلاً أو تقريراً…

4ـ وإذا أردنا تطبيق قاعدة الترك على بعض الهيئات التي أحدثت في بعض العبادات (غير المقيدة) كبعض ألفاظ الذكر، أو بعض هيئاته المنتشرة اليوم… فنقول:

     1- إن المقتضي لفعل هذه الهيئات موجود في زمنه صلى الله عليه وسلم، وزمن الصحابة رضوان الله عليهم، من الزيادة في التقرب إلى الله عزوجل وتنشيط الذاكر وما إلى ذلك.

     2- لم يكن هناك مانع عملي من فعل هذه الهيئات، أو استخدام تلك الألفاظ.

 

     * ومع ذلك لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام، فإن هذا الترك يدل على المنع من تلك الهيئات والألفاظ مَنْعَاً يتراوح بين التحريم والكراهة، ولا تستفاد منه الإباحة المطلقة.

     * وهذا الكلام خاص بالعبادات، ولا يشمل العادات باتفاق، ذلك لأن العبادات توقيفية وليست اجتهادية، وإذا كان ثمة اجتهادٌ في بعض وسائلها، فهو اجتهاد مقيدٌ بالاندراج تحت أصل شرعي ثابت.

5ـ كما أن العلماء الذين منعوا من مثل هذه الهيئات والألفاظ، لم يحتجوا فقط بمطلق (التَركِ) على منعهم منه، وإنما استدلوا على ذلك بأدلة أخرى.

     من ذلك: مخالفتها للأدب مع الذكر والمذكور سبحانه، ووجوب الخشوع في العبادة، ولمشابهتها بعبادات غير المسلمين مما قد يُعد شعاراً لهم.. وهكذا.

6ـ ولا يقال في مثل هذه المسائل التعبدية:

     (الأصل في الأشياء الإباحة) فإن هذا الأصل في غير العبادات، وفي غير الفروج كما هو معروف.

     ولولا إقرارُ رسول الله صلى الله عليه وسلم (لِلَعب الحبشة في مسجده، لكان حكمه المَنْعَ، احتراماً لبيت الله، وقد عَلَّل بعض العلماء إقراره صلى الله عليه وسلم على لعبهم، بطبيعة هذا اللعب، وما احتوى عليه من حركات الجهاد وما إلى ذلك. والله أعلم. 

والحمد لله رب العالمين

12/جمادى الأولى/1430هـ ، الموافق: 6/5/2009م

كـتـبـه: د. محمد أبو الفتح البيانوني  – حـلـب

ملاحظة:

كتبتُ هذه الكلمات على إثر قراءتي لرسالة مفيدة للأخ الشيخ محمد نديم الشهابي ـ حفظه الله ـ بعنوان (هـل التـرك حجـة فـي التحـريم).