سبل الوقاية من الشيطان

25 يونيو 1998 | رسائل الهدى

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى أله وصحبه أجمعين ، أيها الإخوة والأخوات : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
فقد تناولنا في رسالتنا السابقة  حقيقة عداوة الشيطان للإنسان ، وكشفنا بعض خصائصه ومهماته في هذه الحياة ، ليكون المرء منها على بصيرة في معركته اللازمة له ، المستمرة معه ، فيعد لها العدة اللازمة ، وها نحن نتحدث اليوم عن (سبل الوقاية منه ) استكمالاً للموضوع ، وبياناً لسبل النجاة من شر الشيطان ، قبل أن نتحدث في الرسائل القادمة – إن شاء الله – تفصيلاً عن منافذه ومداخله .
أيها الإخوة الأحبة : إن من فضل الله على عباده الذين خلقهم ليبلوهم أيهم أحسن عملاً ، وابتلاهم بأنواع من الابتلاءات في هذه الحياة ، انه لم يدعهم ليواجهوا هذه الابتلاءات ، ولا سيما في معركتهم مع العدو اللدود ، والشيطان المريد ، الذي استطاع بمكره ودهائه أن يخرج أباهم آدم ، و أمهم حواء الجنة  .
إنما أعانهم وأخذ بأيديهم في سبيل النجاة ، فوضع لهم المنهج البين ، ورسم لهم المعالم الواضحة ، وبصرهم بأساليب وخصائص عدوهم ، وحذرهم من اتباع خطواته التي تصل بهم إلى النار ، وتقضي بهم إلى الخسران .. إلى غير ذلك من أمور جعلت كيده بالنسبة إليهم ضعيفاً على الرغم من كثرته وتنوعه ، ودقته وخفائه ، قال تعالى:  }إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} (76) سورة النساء  ولولا هذه المعالم الواضحة ، والبصائر المنوعة التي وضعها الله لعباده من جهة ، ولولا التجربة الأولى الواقعة النافعة ، التي وقعت لأبينا آدم عليه الصلاة والسلام وأمنا حواء من جهة أخرى ،لكان كيد الشيطان  من أعظم الكيد وأخطره ، وأشده وأصعبه على العباد !! ولكن الله رحيم بعباده لطيف بهم .
ومن هنا كان نجاحه في معركته مع أبينا آدم عليه الصلاة والسلام وأمنا حواء ، وكان كيده نافذاً فيهما مع تصريح الله عز وجل لهما بعداوته ، وتحذيره العام من شره ، قال تعالى :   {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى*إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى*   وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى*فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى*فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى*   ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} (122-117 ) سورة طـه
ومن هنا اقتضت حكمته سبحانه أن يفصل لبني آدم من بعده كل التفصيل في فضح عدوهم ، والتحذير لهم من كيده ووسوسته ، على وجه لا تبقى لهم معه حجة ، ولا تقوى أمامه شبهة ، قال تعالى :   {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} (30) سورة الأعراف
كما كشف الله لعباده سبب عداوة الشيطان لهم ، إذ معرفة الأسباب والخلفيات ، تعين المرء على معرفة أهداف العدو وغاياته من عداوته ، فبين أن وراء ذلك كله ، الكبر والحسد ، قال تعالى :   {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } (34) سورة البقرة وقال تعالى :   {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} (12) سورة الأعراف
كما استثنى الله تعالى بعض عباده من هذه المعركة ، فاستخلص من عباده عدداً منهم فكتب لهم النجاة من شر الشياطين ، وأعانهم على السلامة من كيده ووسوسته ، قال تعالى  :  {قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ*  إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ *  قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ*   إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} (42-39) سورة الحجر
وعلى رأس هؤلاء المخلصين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي حدثنا عن نفسه فقال : (إن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير )جزء من حديث سابق رواه الإمام مسلم وأحمد .
ومن هؤلاء المخلصين المبشرون بالجنة من المؤمنين ، ومن اختصم الله بهذه الخصيصة من عباده المتقين .
وليس بعد ذلك للناس أجمعين إلا أن يعدو العدة لمعركتهم الحتمية مع الشيطان ، كما يعدونها لأعدائهم من بني الإنسان ، معتقدين دائماً أن النجاة والنجاح لحزب المؤمنين المتقين ، وأن الخسران والهلال لحزب الشيطان الكافرين الغاوين ، قال تعالى :   {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ } (19) سورة المجادلة
فالمؤمن العاقل الموفق هو الذي يتحفظ بالله من شر الشياطين ، ويتعرف على مداخله ومنافذه ، ويبحث عن سبل الوقاية منه  .. قال تعالى :   {وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ *  وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} (98- 97) سورة المؤمنون
ولعل من أهم أسباب الوقاية من كيد الشيطان :
1. اتباع أوامر الرحمن ، واجتناب خطوات الشيطان  ، قال تعالى :   {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * إنه لكم عدو مبين  * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (169) سورة البقرة  ، وقد تكرر مثل هذا النداء في القرآن الكريم مرات عديدة .
2. التحفظ بذكر الله عامة ، والمعوذات خاصة ، والمحافظة على الأذكار الواردة في مواضيعها ، قال تعالى :   {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} (36) سورة الزخرف وجاء في الحديث الشريف : ( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد ، يضرب على كل عقدة : عليك ليل طويل فارقد فأن استيقظ فذكر الله انحلت ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقدة ، فأصبح نشيطاً طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ) متفق عليه .
3. التعرف على مداخله ومنافذه ، والتبصر بأساليبه ووسائله ، وقد سبق معنا إشارات متعددة إلى بعض تلك المداخل والمنافذ ، والوسائل والأساليب ، أثناء حديثاً عن خصائص الشيطان ومهماته ، ولكن نظراً لدقة تلك المداخل وكثرتها وتنوعها من جهة ، ولغفلة كثير من الناس عنها من جهة أخرى رأيت ضرورة التفضل فيها ، والعمل على كشفها وفضحها .. كما رأيت من المفيد تصنيفها إلى أصناف  متنوعة على الرغم من تشابهها وتداخلها بين بعض الأصناف ، ليكون كل منا في أعلى مستويات الحذر واليقظة ..
فهناك مداخل له على الرجال قد يختلف عن مداخله على النساء ، و مداخل له الأغنياء ، قد تختلف عن مداخله على الفقراء ، ومداخل على العباد والأتقياء ، وقد تختلف عن مداخله على الغفلة والعصاة .. وهكذا
وسنفرد لكل صنف من هذه الأصناف وغيرها مستقبلاً ، رسالة خاصة بمداخل الشيطان ومنافذه عليه  ، أعاننا الله على تحقيق ذلك  وجعلنا من عباده الناجين من مكر الشيطان وكيده ، والمتعاونين فيما بيننا في سبيل مرضاته ، والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين .
والحمد لله رب العالمين ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التاريخ : 1/ 3/ 1419 هـ
الموافق : 25/6/ 1998 م