التكريم الصادق بالاتباع الكامل
الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام، وأكرمنا ببعثة رسولنا عليه الصلاة والسلام، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي بعثه الله رحمة للعالمين، فأنقذ الناس من الظلام إلى النور، ونقلهم من الضلالة إلى الهدى ورضي الله عن الصحابة والتابعين ومن تبعهم ونهج منهجهم إلى يوم الدين.
أيها الأخوة المسلمون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد ألف الناس أن يفرحوا بذكرى ولادة خير الورى محمد صلى الله عليه وسلم وأن يقيموا الحفلات العديدة المتنوعة بهذه المناسبة الكريمة، لكن المتتبع لأحوال المسلمين اليوم، والناظر في آثار أفراحهم وابتهاجاتهم وحفلاتهم ، يرى مع كل أسف أن هذه الحفلات والأفراح تعكس نوعاً من الازدواجية والتناقض وتثير كثيراً من التعجب والاستغراب.
ففي الوقت الذي أصبحنا نرى فيه إقبالاً زائداً على حضور هذه الحفلات، وتسابقاً واضحاً في إقامتها.. أصبحنا نرى إعراضاً متزايداً عن الإسلام وهديه، وبوناً شاسعاً بين هؤلاء المحتفلين، وبين هذا الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه الذي يحتفل بذكراه!!
وفي الوقت الذي ترى في الأنوار الكهربائية تشع في المساجد والمحافل والأحياء، أصبحت ترى الأنوار المحمدية تضعف وتتقلص في نفوس المسلمين وفي بيوتهم ومجتمعاتهم..!!
وكل هذا وذاك يحدث ويزداد يوماً بعد يوم دون أن يشعر أكثر المسلمين بشيء من هذا التعارض والتناقض، وبخطر هذه الظاهرة في حياتهم.. فهم يتحدثون في هذه الاحتفالات عن عظيم نعمة الله عليهم ببعثة هذا الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم دون أن يشعروا بغفلتهم عن شكر هذه النعمة، وإعراض الناس عنها!
وهم يتحدثون فيها عن الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم دون أن يشعروا ببعدهم عنها وإباهم لها..! وهم يتحدثون فيها عن شمائله صلى الله عليه وسلم وأنه حريص عليهم، وبالمؤمنين رؤوف رحيم، دون أن تفعل هذه الشمائل فعلها في نفوسهم، فتدفعهم لمقابلة الحرص بالحرص ، والرحمة بالرحمة، وإنما يقابلون حرصه بالإهمال، ورأفته بالمجانبة والجفاء.
أجل، لقد صدق فيهم مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً، فجعل الجراد والجنادب يقعن فيها، وهو يذبهن عنها، وأنا آخد بحجزكم عن النار ، وأنتم تفلتون من يدي) رواه مسلم.
من هنا كان من أهم واجبات الدعاة إلى الله، أن يقوموا بواجبهم في مثل هذه المناسبات، فينبهوا الناس من غفلتهم، ويوقظوهم من رقدتهم، ويعرفوهم حقيقة نعمة الله عليهم بهذا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام. ويحذرونهم مغبّة هذه الغفلة عن الله ورسوله، وإعراض المسلمين عنها ..
وحق على من يحتفل برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجع رصيده مع هذا الرسول الكريم ليرى نفسه أين هو من هذا الرسول العظيم، وهديه المبين هما كان صلى الله عليه وسلم ليرضيه- وهو الذي تُعرض عليه أعمال أمته- أنوراً تشع وزينات تعلق، ولوحات ترفع، وكلمات تقال، وشعارات ينادى بها..وإنما الذي يرضيه حقاً إقبال المسلمين عليه وحبهم له، ذلك الحب الذي يترجمه الإهتداء بهديه، والإحتكام لشرعه، والاستنان بسنته.. وما أجمل قول الحسن البصري- رحمه الله تعالى – ( ليس الإيمان بالتمني، ولا بالتحلي، ولكن هو ما وقر في القلب ، وصدقه العمل).
وقديماً أكد هذا الشيخ الوالد- رحمه الله تعالى- في خطبة له بعنوان ( التكريم الصادق بالاتباع الكامل) فقال فيها ( إن التكريم الصادق، ليس في الحفلات تقام ولا بالجموع تزحم، ولا بالحلوى توزع..، إنما التكريم الصادق بالاتباع الكامل.
إن التكريم الحق والإجلال الصادق أن نتمسك بقرآننا الكريم، ونستلهم الخير والحكمة، ونستنطقه الحجة والبيان ونستنير بهديه وإرشاده، ونذعن إليه قاضياً ومعلماً وأن نحكمه في أنفسنا وأسرنا، ومقوماتنا الخاصة والعامة، نأتمر بأمره وننتهي بنهيه، لا نقتصر عنه ولا نجاوزه، نتدارسه صباح مساء، ونستكشف منه ما أودع من حكم وعلم وما حواه من عظة وعبرة التكريم الحق أن نتبع سنة هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وندرس سيرته دراسة وعي وفهم، فنستلهم منها الهدي والرشاد، والعمل والفضل، والتضحية والثبات، ونطالع سيرة أصحابه الغر الميامين، وأخبارهم الممتعة فنتعلم كيف يكون الانقياد والاتباع، وكيف يتحمل الأذى، ويستعذب العذاب في تأييد الشرع الحكيم والمبدأ الحق، وكيف تبذل الأموال والأرواح في سبيل الله وإعلاء دينه ونصرة رسوله.
وفي سنته عليه الصلاة والسلام وسيرة أصحابه بيان ما نحتاج إليه في عباداتنا ومعاملاتنا وجميع نواحي حياتنا.. وفي بيان ما ينبغي أن يربى عليه الفرد والأسرة، وما ينبغي أن تكون عليه الأمة حكومة وشعباً.. وفيها ما يبدد كل غموض يعترضنا، في هذه الحياة ، وماينير لنا الحق ويهدي السبل.
التكريم الصادق أن نتمسك بمبادئ الإسلام المشرفة وأنظمته الخالدة التي تنشئ الفرد قوياً متميزاً بالخلق السامي، والعقل الراجع، والجهاد الدائم، والعقيدة الراسخة، لا يذوب في غيره، ولا تلوي به عواصف الأهواء والمغريات، ولا يتلون متأثراً بالمطامع، ولا تزحزحه عن إسلامه نعرة ولا عصبية، ينصر الحق لا تأخذه فيه لومة لائم، ويتفاني في تأييده ونصرته، ويموت في سبيل إحيائه وإعزازه التكريم الحق أن يفخر المسلم بتاريخه المجيد وسلفه الصالح، ويرفع رأسه معتزاً بدين رفع الانسانية من حضيض الجهل إلى أوج العلم، وهداها سبيل السعادة في الدنيا والآخرة، قال تعالى ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين.
يا أتباع هذا الرسول الكريم، إن أمتكم هذه لا يصلح آخرها إلا بما صلح به أولها، إيمان صادق لا يعتريه شك، وإسلام كامل لا يشوبه هوى، واستسلام كامل لحكم الله والرسول، لا يخدشه تردد أو فتور..، فإذا كان هذا وتحقق، كان إسلامكم إسلاماً وجاءكم النصر وما النصر إلا من عند الله، ولينصرن اللله من ينصره، إن الله لقوي عزيز..
قد يتساءل المرء في نفسه، كيف انتقل المسلمون من الاتباع الكامل، إلى الهوى المطاع؟ وكيف انقلبوا من العزة والقوة إلى الذلة والضعف؟ إن هذا الانقلاب في حال المسلمين لم يكن فجاءة ولكنه تدريجي بطيء، فلم يسترعِ أذهان الناس، إلا عند المقارنة بين السلف والخلف، اللهم ارزقنا اتباع نبينك صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأفعال والأخلاق.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1/3/1418 هـ
6/7/1997م