كلمات عن المربية الصالحة الحاجة السيدة عريفة الدباس
-رحمها الله تعالى-

بقلم ولدها: فضيلة الشيخ أ. د. محمد أبو الفتح البيانوني -حفظه الله تعالى-

ولدت الوالدة الحاجة: عريفة بنت عبد العزيز الدباس -عليها رحمة الله تعالى- عام 1334 هـ، الموافق 1916 م، وتوفيت عام 1397 هـ، الموافق 1979 م عن عمر طال 63 سنة.

ونشأت في أسرة غنية صالحة، وتزوجت من الوالد -رحمه الله تعالى- وعمرها ١٥ سنة على يد أخيها خالنا الحاج: عادل الدباس -رحمه الله تعالى- الذي كان صديقا حميما للوالد -رحمه الله تعالى-.

وكان حجابها يومئذ أقل كمالا من الحجاب الذي يرغب فيه الوالد، وكان يتمنى أن يقنعها بحجاب الملاءة الكاملة التي كانت شائعة بين المسلمات الصالحات في بلادنا في تلك الأيام.

فكفاه الله عز وجل ذلك الهم برؤيا صالحة عجيبة رأتها الوالدة -رحمها الله تعالى- فقصتها عليه، تقول فيها:

أنها رأت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المنام، وحوله جمعٌ من الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم-، وهي تمشي تجاههم، فلما قرُبتْ منه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: انظروا إلى هذه المرأة الصالحة، ومدحها لهم، وقال: انظروا إلى حجابها مُستحسناً له، فنظرت هي إلى نفسها، فرأت عليها ملاَءَةً كاملة سوداء من أكمل الملاءات المعروفة في ذلك العصرـ وكان لها خبرة في الخياطة.

فاستغل الوالد هذه الرؤيا وقال لها: لو كنتُ مكانك لَخِطتُ ملاءَةً مثل التي رأيتها في المنام، فقالت: إئتِ لي بقماش أسود لأخيطها كما رأيت، فَفَعلَ وفَعَلَت، ولبست هذه الملاءة، فاستنكرها أهلها ومن حولها، فقصت عليهم الرؤيا، فتعجبوا لها، وحرصَ كثير منهم على خياطة مثلها، فكانت تخيط لبعضهن، وتعلم بعضهن، حتى عُرفت في مدينة حلب (بالملاءة البيانونية) وانتشرت عند آلاف من النساء، ولا تزال لها بقية في بيوت بعض المحبِّين…

فكثيراً ما كان الوالد -رحمه الله تعالى- يحمد الله على ذلك، ويقول: اختصرت لي هذه الرؤيا كثيراً من الوقت والجهد…

وقد كانت رحمها الله منسجمة مع منهج الوالد -رحمه الله تعالى- في التربية، وتتابع ملاحظة ذلك مع أولادها عند غيبته متابعة كاملة حازمة -جزاهما الله عنا خير الجزاء-.

وعُني الوالد -رحمه الله تعالى- بتعليمها وتدريسها العلوم الشرعية عناية كبيرة حتى أصبحت متمكنة من ذلك، ومؤهلة لدعوة الآخرين ووعظهم ، فصلحت بصلاحها أسرة أهلها جميعا والحمد لله.

وعقد لها الوالد -رحمه الله تعالى- جلسة وعظ وتربية أسبوعية في كل يوم خميس في ليوان مسجد أبي ذر في حي الجبيلة حيث كنا نسكن، تحضرها كثير من النساء من جميع أنحاء البلدة وذلك تحت إشراف الوالد عليها، حيث كان يهيئ لها مادة الدرس الأسبوعية ويخطط لها، ويزودها بالوصايا المفيدة. واستمرت على العطاء في هذه الجلسة طيلة عمرها جزاها الله خيرا.

فلما اشتد مرضها في السنوات العشر الأخيرة من عمرها، قامت ابنتها الكبرى أختنا الحاجة: أم صفوح بشرى البيانوني -رحمها الله تعالى- زوجة صهرنا وشيخنا الشيخ: محمد الحجار -رحمه الله تعالى- بالدرس خير قيام والحمد لله،  ووضع لها القبول بين النساء في حلب، ولبس كثير منهن الملاءة التي كانت تلبسها الوالدة -رحمها الله تعالى-، والتي عرفت بالملاءة البيانونية.

وكانت الوالدة رحمها الله حسنة الصلة بأخواتها ومريداتها تزورهم وتنصحهم وتعينهم على كمال الالتزام بسيرتها العملية الحسنة وحسن أخلاقها وكرمها… حتى شكر كثير من الرجال سعيها في إصلاح أحوال زوجاتهم وأسرهم.

رحمها الله رحمة واسعة، وجعلها في عليين، وجمعنا بها وبالوالد -رحمهما الله تعالى- في جنان الخلد… آمين. 

والحمد لله رب العالمين.