الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ورد سؤال من أحد الإخوة يستفسر فيه عن حكمة تقديم التغيير باليد على التغيير باللسان، في الحديث الشريف، مع أن التغيير باللسان قد يكون أنفع وأحسن في كثير من الأحيان، ولماذا كان المغير باللسان أضعف إيماناً من المغير باليد!؟
وفي الإجابة عن ذلك أقول:
إن حديث مسلم: “من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان”، ورد في سياق بيان أبلغ درجات التغيير وأكملها، ذلك لأن مهمة الداعية الأساسية هي التغيير للمنكر القائم، وليست مجرد التذكير بأنه منكر.
وهذا لا يتعارض مع مراتب الاحتساب المتفق عليها، والتي تبدأ بالتعريف، ثم بالتخويف، ثم بالتعنيف… إلخ، والتي أشارت إليها الآية الكريمة :“…فعظوهن، واهجروهن في المضاجع، واضربوهن…”.
فمن قدر على تغيير المنكر باليد، لا بدّ أن يسبق تغييره باليد الموعظة الحسنة، والتعريف بالحكم، ولا سيما مع من يغلب على الظن جهله بالحكم، أو عدم معرفته بأنه منكر.
ومن لم يقدر على تغيير المنكر باليد لسبب من الأسباب، لا يسعه السكوت عنه، وإنما عليه أن يُبين الحكم ويعلن إنكاره للمنكر، ومن لم يقدر على الإنكار باللسان، نظراً لظروف محيطة به مثلاً، لا يسعه تجاهل المنكر مطلقاً، بل لا بدّ له من إنكاره بقلبه، وإظهار عدم رضائه به… وهذا هو أقل واجب يجب عليه، إذ أن الإنكار بالقلب، لا يستطيع أحد أن يدعي عدم استطاعته له، فإذا حدث ذلك من شخص، دلّ على ضعف إيمانه ضعفاً شديداً، حيث لم يغضب لما يُغضب الله ورسوله –صلى الله عليه وسلم-.
ومن هنا كان الإنكار بالقلب واجباً عينياً على كل مسلم رأى منكراً، متى عجز عن الإنكار باللسان أو اليد، خلافاً للإنكار باليد أو اللسان، فهما واجبان كفائيان، إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين.
فضعف الإيمان المشار إليه في الحديث الشريف مرتبط بمن ترك التغيير بدرجاته الثلاث.
ولا يُفهم منه: أن من أنكر بلسانه لعدم استطاعته الإنكار بيده، كان أضعف إيماناً ممن قدر على الإنكار بيده، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
هذا ما بدا لي من فهم الحديث الشريف، وهو مُنسجم مع القواعد الشرعية التي يذكرها العلماء في مراتب الاحتساب، والله أعلم.
أسأل الله عز وجل أن يوفقنا إلى القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يُبصرنا بالمنهج والأسلوب والوسيلة المؤدية إلى ذلك، فهو الموفق والمعين… والحمد لله رب العالمين