الحِراكاتُ الشعبية، بين الإيجابية والسلبية

حول الحراكات الشعبية

تكررت في السنوات الأخيرة مظاهرُ الحراكات الشعبية في البلاد العربية والإسلامية ، بدوافع عديدة ، سواء منها ما كان بدافع إرادة التغيير والإصلاح في بعض الأحيان ، كما حدث فيما يسمى بالربيع العربي ، أو بدافع الغضب من تصرف من التصرفات المسيئة للأديان والبلدان والأشخاص في حين آخر ، كما يحدث هذه الأيام في الاعتراض على فلم سينمائي تم إخراجه في الولايات المتحدة الأميركية ، مسيء للرسول صلى الله عليه وسلم ..
ولا تخفى الآثار الإيجابية والسلبية التي ترتبت على هذه الحراكات ، التي لا تزال تترتب عليها هنا أو هناك ..!!
فمن تفريغ لشحنات عاطفية قد تحتاج إليها الأمة يوماً ما ، إلى فقد شباب متحمس قد تنفع الأمة حماسته في موقف من المواقف ، إلى تدمير وتخريب بالممتلكات الخاصة والعامة التي يحرص الجميع على الحفاظ عليها …
أو من تعبير عن صحوة الشعوب ويقظتها تجاه ما يحاك لأمتهم من مؤامرات ، إلى إرهاب للعدو يجعله يحسب حساب تصرفاته واعتدائه على المقدسات … إلى غير ذلك من آثار سلبية وإيجابية لا ينكرها عاقل .
وهذا يجعلني أذكر بقاعدة دعوية سابقة طالما تحدثت عنها ، ودعوت إلى التنبه إليها ، وهي : ( إن الحراكات الشعبية وسيلة من الوسائل الدعوية التي لها حدّان ؛ يمكن التوصل بها إلى خير البلاد والعباد ، إن أُحْسِن استخدامها في الوقت المناسب وكانت في يد عقلاء الأمة وعلمائها الذين يوجهونها في ضوء فقه الموازنات وفقه المآلات ، كما يمكن أن تجر على الأمة الويلات والنكبات ، إن لم تكن في يد علماء الأمة وعقلائها ، وكانت بأيدي الشباب وحدثاء الأسنان أنفسهم ، الذين لا يحسنون تلك الموازنات ، والذين قد تتحكم فيهم العواطف الجامحة والنتائج العاجلة ، والذين قد يستجيبون لاستفزازات أعدائهم من حيث لا يشعرون … ) .
ومن هنا : أهيبُ بالعلماء والعقلاء أن يتنبهوا إلى أهمية هذه الوسيلة ، ويعملوا مجتمعين على ضبطها وتوجيهها ، بدلا من أن يقفوا منها موقف المتفرج عليها ، أو الناقد لها ، أو المُنساق معها في بعض الأحوال ..!!!
كما أهيب بشباب الأمة أن يرجعوا في حراكاتهم العامة إلى علمائهم وعقلائهم الموثوقين في دينهم وعلمهم ، وأن يكونوا رَهْن إشارتهم ، حتى لا يكونوا من الذين يُسيئون ، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا ..!!
فإن الله عز وجل لن يحاسبهم على مجرّد صلاح نياتهم ، وإنما على صواب وسداد تحركهم أيضا ، فهو سبحانه اشترط لإصلاح عملهم في الدنيا ، وقبوله في الآخرة شرطين : التقوى أولا ، والسداد ثانيا . فقال سبحانه :
( يا أيها الذين آمنوا اتقو الله ، وقولوا قولا سديدا ، يصلح لكم أعمالكم ، ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) .
أسأل الله عزوجل أن يرزقنا الإخلاص في النيات ، والسداد والصواب في العمل ، وأن لا يؤاخذنا بتقصيرنا ، ولا بما فعل السفهاء منا ، إنه سميع مجيب . والحمد لله رب العالمين .
١٥ سبتمبر ٢٠١٢