الموازنة الدقيقة بين إعطاء الإنسان حرية الاختيار، وبين إلزامه بالتكاليف الشرعية

حول الحراكات الشعبية

يقول تعالى: “لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم” البقرة/256/
ويقول سبحانه: “ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين” يونس /99/.
أعلن القرآن الكريم مبدأ حرية الاختيار للإنسان إعلانا صريحا، على الرغم من إحاطته بالتكاليف الشرعية، وجعله يدور في دوائرها التي لا تخرج عن الأحكام التكليفية، بين واجب ومندوب ومباح، وبين حرام ومكروه.
إلا أن كثيراً من الناس لم يتَفَهموا حقيقة هذه الموازنة، ولم يقفوا على جمالها وروعتها.!! بل رأى كثير منهم فيها نوعا من التعارض والتناقض!!
وبياناً لهذه الحقيقة أقول:
إن الله الذي خلق الإنسان، جعل له إرادة حرّة في أن يعتقد ما يشاء، ويؤمن بما يشاء، ويعبد ما يشاء، إلا أنه أوجب عليه أن يتحمل نتائج سوء اختياره، إذا اعتقد غير الحق، أو عبد غير من يستحق العبادة… وجعل في استطاعته أن يظفر بالنتائج الطيبة إذا أحسن الاختيار، فاعتقد الحق، ورفض الباطل.
كما أنه هيأ له من الوسائل الموصلة إلى اختيار الحق، ما يمكنه من التوصل إليه، فوهبه العقل والسمع والبصر والفؤاد…
كما بيّن له: أن من اختار الحق، وعبد الله وحده، نال خلوداً في جنات النعيم، ومن اختار الباطل، وعبد غير الله، كان من أصحاب الجحيم…
وأن من اختار الحق، وعصى أوامر الله ونواهيه، استحق من العقاب بالعدل، على مقدار ما اكتسب من الإثم.
ذلك لأن حرية الإرادة هي حرية تمكنٍ من الاختيار، وليست حرية إباحة وتفلُّت .. إذ هي حرية مستتبعة بالمسؤولية والحساب، والجزاء بالثواب أو العقاب..
وهذه الحرية في مسائل الدين، مشابهة لحرية الإنسان في مخالفة قوانين الطبيعة، فالإنسان حرٌّ مُمَكَّن من أن يُدخِل يده في النار، ولكن عليه أن يتحمل نتيجة اختياره في أن تحرق يده… والفارق بين الأمرين: أن عقوبة مخالفة القوانين الكونية عقوبة مباشرة للفعل المخالف، أما عقوبة مخالفة قوانين الدين، ليست مباشرة للفعل المخالف، إذ جعل الله عز وجل لها غالباً فاصلاً زمنياً، يُمكن الإنسان فيه من التدارك بالتوبة والندم والاستغفار… فسبحانه من رب عظيم رحيم.

ملاحظة: الفكرة مقتبسة من كتاب “فقه الدعوة إلى الله” للشيخ الدكتور: عبد الرحمن حسن حبنكة –رحمه الله- (1/533-552).

١٠ فبراير ٢٠١٣