حكم المظاهرات والخروج فيها

حول الحراكات الشعبية

يتساءل كثيرين من الإخوة والأخوات عن الحكم الشرعي للمظاهرات التي يطالب الناس من خلالها بحقوقهم … والتي أجازها بعض العلماء، ومنع منها بعضهم ، ولتأصيل حكمها الشرعي أقول مايلي:

إن المظاهرات التي يقوم بها الناس هي من أمور العادات، وليست من أمور العبادات، والأصل في حكم العادات الإباحة باتفاق العلماء ، والمباح قد يخرج عن حكمه الأصلي لعارض من العوارض، فيصبح مندوبا أو واجبا، أو يصبح مكروها أو حراما …

حتى أن بعض علماء الأصول ذهبوا إلى عدم وجود المباح أصلا، نظرا لكثرة مايعرض له …

ولنضرب على ذلك مثلا للتقريب :

إن سَفَرَ الولد من بلد إلى آخر للنزهة مثلا مباح في أصله باتفاق، كما أن جلوسه في مكان من البيت دون آخر مباح أيضا ، فإذا عرض له عارض: كأن أمَرَ به الأبوان أمر ترغيب، صار حكمه مندوبا، وإن أمرا به أمراً جازما، صار واجبا …

وإذا نهى عنه الأبوان، ومنعا منه، نهيا جازما، صار حراماً في حقه، وإذا نهيا عنه نهيا غير جازم، صار مكروها، وهكذا … وذلك لأن طاعتهما واجبة .

ومثل هذا يقال في بيان حكم المظاهرات المسؤول عنه :

فإنها مباحة في الأصل ، فإذا عرض لهذا المباح عارض، كأن يأمر به أولياء الأمور وهم : ( الأمراء، أو العلماء ) أمرا جازما، صار حكمه واجبا، وإن أمروا به أمرا غير جازم، صار حكمه مندوبا.

كذلك: إذا نهوا عنه نهيا جازما، صار حكمه حراما، وإذا نهوا عنه نهيا غير جازم، صار حكمه مكروها .

وذلك لأن طاعتهم واجبة، بأمر الله ورسوله من جهة، ولأن أمرهم أو نهيهم عنه، إنما يكون لمصلحة أو مفسدة مترتبة عليه في نظرهم، من جهة أخرى .

وحكم طاعتهم في ذلك لاتقل عن حكم طاعة الوالدين في الأمر أو النهي عن أمر أصل حكمه مباح .

وهذا حكم شرعي لاأعلم فيه خلافا حقيقيا .

ومن هنا : سمعت شيخنا السلقيني – رحمه الله- مرة، وهو يقرر حكم هذه المسألة يقول: (لو رأينا في المظاهرات الحالية تحقيقا لمصلحة، أو درءا لمفسدة، لأمرنا بها، ولخرجنا معها …

أما وقد ترتب عليها مفاسد كبيرة، من سفك للدماء، وتخريب للمصالح من أي جهة كان، فنقول بالمنع منها، عملا بقاعدة: (درء المفاسد، مقدم على جلب المصالح ) المتفق عليها ..

أقول: ولاغرابة أن تختلف اجتهادات علماء الأمة وموازناتهم في ذلك، بحسب الواقع المحيط بهم، أو بحسب المعطيات لديهم …

وإذا اختلفت فتاواهم في ذلك، فتقدم فتوى علماء كل بلد على فتوى غيرهم، ولاتؤخذ الفتوى لبلد ما، من علماء غير علماء تلك البلد، فأهل الدار والمقيمون فيها أدرى بما فيها ، وأفقه لواقعها …

ولانقول أبدا : بقول من حرمها مطلقا، بناء على قول بعضهم ( إن الوسائل توقيفية ) وليست اجتهادية، وقد سبق أن بينت الضوابط الشرعية للوسائل في كتابي ( المدخل إلى علم الدعوة ) وفصلت الضوابط الشرعية تفصيلا واضحا، وناقشت ذلك القول الخاطئ في نظري .

ولعل في هذا كفاية لمن أراد أن يقف على حقيقة الحكم الشرعي، والله الهادي إلى سواء السبيل .

التاريخ : 14 \ 10 \ 1432 هـ …
الموافق : 12 \ 9 \ 2011 م .

كتبها : د . محمد أبو الفتح البيانوني .