إجابة على تساؤل ( آما آن لك أن تغير موقفك تجاه أحداث سورية؟ )

١٥ أغسطس ٢٠١٢ | حول الحراكات الشعبية

– بسم الله الرحمن الرحيم –

سألني بعض المحبّين أكثر من مرّة سؤالاً كرّره كثيرٌ من المُدعين للحب , والمتظاهرين به ايضاً ونصه : (أما آن لك يا أبا الفتح أن تغير قناعتك و موقفك مما يجري في سورية ؟! بَعْدَ أن رأيت ما رأيت !! )

فقلت لهم ما أودّ أن أقوله لكل متسائل اليوم عن هذا :

( على العكس تماماً , إن ما أراه اليوم في بلدي من قتل , وتدمير , وتخريب يؤكد لي ماكنت أتوقعه قبل بدء الأحداث فيها بشهور ،الذي كنت أتداوله مع بعض الأحباب والمشايخ في بلدي ، والذي كنت أتفق فيه تماماً مع شيخنا الشيخ إبراهيم السّلقيني – رحمه الله تعالى – مفتي حلب , والذي كان يجادلنا فيه بعض الأشخاص المعارضين لهذه النظرة , ولاسيما الشباب منهم , الذين بدأ بعضهم يعودون اليوم إلى قناعتي , ويصرحون بها مشافهةً ، وعلى صفحات الفيس بوك .
فلقد كنت أقول : إن مثل هذا الحراك في بلدي لَنْ يؤدي إلا إلى سفك الدماء , وترميل النساء , وتيتيم الأطفال , وتشريد الناس , وتخريب المعايش , وتدمير العمران …. ولَنْ يُحدِثَ تغييراً حسنا ولا إصلاحاً !! وما ذاك إلا لمعرفتي بطبيعة الأمور المحيطة ببلدي داخلياً وخارجياً ، التي يحاول أن يستغلها المستغلون من أعداء الأمة في سبيل تحقيق مآربهم ومطامعهم …. وهذه هي الأيام تؤكد هذه النظرة يوماً بعد يَوم , بعد تجربة مريرة قارب زمنها على السنَتَيْن ! ومن حَقي اليوم أن أتساءَل : هل من العقل والحكمة أن يتجاهل الإنسان هذا الواقع ، وهو يرى بأم عينه ما يرى ؟!
وهل يجوز للعاقل أن تطغى عليه مشاعر الحزن والأسى ، فيقدمها على مآخذ التعقل والتبصر !!؟
أدعو كل عاقل اليوم أن يعود إلى نفسه مُنصفا متجردا ً ، ليقرأ واقعه ، ويَتدبرَ مصيرَه ، ومصيرَ أمته ، وأن يتَملك من الجرأة ما يجعله يقول كلمة الحق ، ويقف موقف الصدق مع ربه ، ونفسه ، وأمته ، متسلحا بالصبر والمصابرة ، ويسأل الله عز وجل أن يرفع هذه الغمة ، ويفرج عن هذه الأمة ، وأن لا يؤاخذنا بما يفعل السفهاء منا ، وأن يجعل من دعائه : ( اللهم أرنا الحق حقا ، وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلا ، وارزقنا اجتنابه ) ، مؤكدا أنه لن يُصلح الله أعمالنا ، ولن يتقبل منا جُهدنا ،إلا إذا حققنا الشرطين اللذين شرطهما لذلك ، فقال :
( يا أيها الذين آمنوا : اتقوا الله ، وقولوا قولا سديدا ، يُصلح لكم أعمالكم ، ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فازَ فوزا عظيما ) ..
فلن تُغني في ذلك سلامة النية وصلاحها فقط ، ولابد من أن يرافقها السدادُ في القول ، والصحة في المنهج .. ( ولقد بينت المنهج العلمي الشرعي في مواجهة الأحداث ، في مقال لي نشر في موقعي منذ بداية الأحداث ) ..
اللهم هل بلغت ، اللهم فاشهد ، وحسبي الله ونعم الوكيل..

17 – 8 – 2012

فهم كثير من المطلعين على كلمتي الأخيرة التي بينت فيها سبب عدم تغير موقفي من الأحداث القائمة في بلدي : أنني أدعو فيها إلى التوقف عن الحراك الذي يرونه في نظرهم وأدا للناس على الحياة !! .. مع أني لم أشر فيها إلى ذلك مطلقا ، وإنما اكتفيت بتعليل عدم تغيير موقفي السابق .
وعلى العقلاء والعلماء اليوم حصرا مجتمعين ، ولا سيما من علماء بلاد الشام ، أن يعقدوا موازنة دقيقة بين مفسدة الاستمرار على هذه الحال، وبين مفسدة التوقف عن الحراك ، ليعملوا بعد ذلك بالقاعدة الشرعية القائلة ( إذا اجتمعت مفسدتان دفعت الكبرى بالصغرى )، والله المسدد والمعين …
ولا يسعنا بعد هذا إلا أن ندعو الله عزوجل أن يجعل العاقبة خيرا للبلاد والعباد . والحمد لله رب العالمين .