إنكار المنكر
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله-: “…فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه، وأبغض إلى الله ورسوله، فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يُبغضه ويمقت أهله، وهذا: كالإنكار على الملوك بالخروج عليهم، فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر…
وقد استأذن الصحابةُ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، وقالوا: أفلا نقاتلهم؟، فقال: لا، ما أقاموا الصلاة، وقال: “من رأى من أميره ما يكرهه، فليصبر، ولا ينزعنّ يداً من طاعة”.
ومن تأمل ما جرى على الإسلام والمسلمين من الفتن الكبار والصغار، رآها من إضاعة هذا الأصل، وعدم الصبر على منكر، فطلب إزالته، فتولّد منه ما هو أكبر منه!
فقد كان –صلى الله عليه وسلم- يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها، بل لمّا فتح الله مكة، وصارت دار إسلام، عزم على تغيير البيت، وردّه على قواعد إبراهيم، ومَنَعه من ذلك مع قدرته عليه، خشيةُ وقوع ما هو أعظم منه، من عدم احتمال قريش ذلك، لقرب عهدهم بالإسلام، وكونهم حديثي عهد بكفر، ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد، لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه …
فإنكار المنكر أربع درجات: الأولى: أن يزول ويخلفه ضده، الثانية: أن يقلّ وإن لم يزُل بجملته، الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله، الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه.
فالدرجتان الأُوليان: مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة: محرّمة” إعلام الموقعين 3/ 4-15