الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
يقول الإمام ابن تيمية –رحمه الله- في معرض الحديث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبيان بعض مسائله: “فينبغي للعالم أن يتدبر أنواع هذه المسائل، فالعالم تارة يأمر، وتارة ينهى، وتارة يبيح، وتارة يسكت عن الأمر والنهي والإباحة، كالأمر بالصلاح الخالص أو الراجح، أو النهي عن الفساد الخالص أو الراجح، وعند التعارض يرجح الراجح –كما تقدم- بحسب الإمكان.
فأما إذا كان المأمور والمنهي لا يتقيّد بالممكن: إما لجهله، وإما لظلمه، ولا يمكن إزالة جهله وظلمه، فربما كان الأصلح الكفّ والإمساك عن أمره ونهيه، كما قيل: “إن من المسائل مسائل جوابها السكوت” كما سكت الشارع في أول الأمر عن الأمر بأشياء، والنهي عن أشياء، حتى علا الإسلام وظهر…
فالعالم في البيان والبلاغ كذلك، قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكّن، كما أخر الله سبحانه إنزال آيات وبيان أحكام إلى وقت تمكن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلى بيانها.
والحجة على العباد إنما تقوم بشيئين: بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله، والقدرة على العمل به، فأما العاجز عن العلم كالمجنون، أو العاجز عن العمل، فلا أمر عليه ولا نهي.
فإذا حصل من يقوم بالدين من العلماء أو الأمراء، أو مجموعهما، كان بيانه لما جاء به الرسول –صلى الله عليه وسلم- شيئاً فشيئاً، بمنزلة بيان الرسول –صلى الله عليه وسلم- لما بعث به شيئاً فشيئاً، ومعلوم أن الرسول لا يُبَلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به، ولم تأت الشريعة جملة، كما يقال: “إذا أردت أن تطاع فأمر بما يُستطاع”.
فكذلك المجدِّد لدينه، والمُحيي لسنته، لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به…” مجموع الفتاوى (20/57-60).
أقول: وبالغفلة عن مثل هذه الشروط والآداب في الأمر والنهي، وقع كثير من المسلمين في الإفراط والتفريط، وتجنبوا الحكمة في دعوتهم، فأضروا من حيث أرادوا الإحسان.
أسأل الله لنا وللمسلمين السداد والصواب في القول والعمل