صفات المؤمن

إضاءات دعوية

جاء في الحديث المتفق عليه ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها : إذا أؤتمن خان ، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر )) .
يحذر هذا الحديث الشريف من ظاهرة خطيرة جداً يطلق عليها العلماء اسم ( النفاق العملي) تمييزاً لها عن ظاهرة النفاق العقدي التي يبطن صاحبها الكفر ، ويتظاهر بالإيمان والعياذ بالله تعالى ، والتي تُعدُّ أخطر من الكفر العقدي ، الذي جاء فيه قوله تعالى (إن المنافين في الدرك الأسفل من النار..) الآية .
أما النفاق العملي : فهو الذي يقع فيه بعض المؤمنين ، فيشاركون به المنافقين العقديين في بعض صفاتهم ، وأخطر أشكاله اجتماع هذه الصفات الأربع في صاحبه ، فيكون منافقا خالصاً كما بينه صلى الله عليه وسلم، أعاذنا الله منها جميعا.
وكثيراً ما تنبه بعض المسلمين إلى الصفات الثلاثة الأولى منها فقط ، حيث اقتصرت على ذكرها بعض الروايات الحديثية، وغفلوا عن الرابعة مع أهميتها في الدلالة على هذا النفاق !!
فقد تقع خصومة يوما ما بين مسلم وآخر بأن يعتدي على نفسه أو عرضه أو ماله … فيبغضه بسببها ، وقد يعرض عنه ويهجره أياما، وهذا أمر فطري في الإنسان لا ينجو منه إلا بعض الخاصة من الناس .
أما أن تجره مثل هذه الخصومات إلى السب واللعن والطعن في أخيه المسلم، فهذا أمر مستنكر وقوعه من المؤمنين، وعلامة خطيرة من علامات النفاق العملي الذي حذر منه صلى الله عليه وسلم هذا التحذير وسماه (نفاقاً) تغليظاً لأمره وتحذيراً من الوقوع فيه …
ذلك لأن المؤمن كما جاء في حديث الترمذي عن ابن مسعود رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء ) ، وجاء في الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود رضي الله عنه أيضا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) .
ومع هذا: فكثيراً ما يرى المراقب اليوم أشكالاً من السب واللعن والفجور تنتشر بين المسلمين من غير خصومة بينهم وإنما لمجرد خلاف في الرأي، أو مخالفة لرغبة أو هوى !! وقد لا يسلم منها قريب ولا بعيد، ولا صغير ولا كبير، ولا عالم ولا جاهل، ولا حاكم ولا محكوم …
لذلك أحببت أن أذكر نفسي وإخواني المسلمين بخطر هذه الظاهرة ودلالتها ، وأنها لا تضرُّ في النتيجة إلا صاحبها، مذكراً ببعض الوصايا النبوية المتعلقة بهذا الأمـر .
فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا ينبغي لصدِّيق أن يكون لعاناً )، كما روى مسلم عن أبي الدردار رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة) ، وقد روى الشيخان عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).
وجاء في حديث للترمذي عن معاذ رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم وقد أمسك بلسانه فقال : ( كف عليك هذا) قلت يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : ثكلتك أمك : وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم).
نسأل الله عزوجل أن يحفظ علينا قلوبنا وألسنتنا ، وأن يعيذنا من الشقاق والنفاق ، وسوء الأخلاق إنه سميع مجيب ، والحمد لله رب العالمين…