مرتبة محبة الله ورسوله
يقول بعض العلماء العارفين : ( ولن يصل العبد إلى هذه المنزلة العلية ، والمرتبة السَنية ( أي : مَنزلة المحبة الحقيقية لله والرسول ) ، حتى يعرف الله و يهتدي إليه بطريق توصله إليه ، و يخرق ظلمات الطبع بأشعة البصيرة ، فيقوم بقلبه شاهد من شواهد الآخرة ، فينجذب إليها بكليته ، و يزهد في التعلقات الفانية ، و يدأب في تصحيح التوبة ، والقيام بالمأمورات الظاهرة والباطنة ، وترك المنهيات الظاهرة والباطنة ، ثم يقوم حارسا على قلبه ، فلا يسامحه بخطرة يكرهها الله تعالى ، ولا بخطرة فضول لا تنفعه ، فيصفو بذلك قلبه بذكر ربه ومحبته ، والإنابة إليه ، فحينئذ يجتمع قلبه وخواطره وحديث نفسه على إرادة ربه وطلبه والشوق إليه ..
فإذا صدق في ذلك رُزق محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ، واستولت روحانيته على قلبه ، فجعله إمامه وأستاذه ومعلمه ، وشيخه وقدوته ، كما جعله الله نبيه ورسوله وهاديه ، فيطالع سيرته صلى الله عليه وسلم ومبادئ أموره ، و كيفية نزول الوحي عليه ، ويعرف صفاته وأخلاقه وآدابه ، وحركاته وسكونه ، ويقظته ومنامه ، وعبادته ومعاشرته لأهله وأصحابه .. إلى غير ذلك مما منحه الله تعالى ، حتى يصير كأنه معه من بعض أصحابه ).