قَدِّمْ ماتُحسن، ودَعْ ما لا تُحسن لمن يُحسن، وأَعِدَّ نفسك لإحسان ما لا تُحسن

إضاءات دعوية

أيها الأحبة:
رغب إلي بعض الأحبة أن أكتب لهم عدة مقالات أشرح فيها قاعدتي الدعوية القائلة:
( قَدِّمْ ماتُحسن، ودَعْ ما لا تُحسن لمن يُحسن، وأَعِدَّ نفسك لإحسان ما لا تُحسن ).
ونظرا لأهمية هذه القاعدة في نظري، وشدة الحاجة اليوم إلى تطبيقها من قبل الدعاة خاصة، ومن قبل الجميع عامة من جهة،
ونظرا لأن معظم مشكلاتنا الدعوية الداخلية التي نواجهها اليوم تعود في نظري إلى الخلل الكبير في تطبيق هذه القاعدة من جهة أخرى…
قررت الاستجابة إلى طلب الأحبة في الكتابة حولها، لتنزل على هذه الصفحة تِباعا أسبوعيا بعد الانتهاء من تنزيل المعالم العامة الأساسية لأهل السنة والجماعة بإذن الله، 
سائلا الله عز وجل التوفيق والسداد في بيانها، والنفع بها، فهو وحده الموفق والمسدد.
وإلى البدء بذلك في الأسبوع القادم بإذن الله…

أيها الأحبة:

إنه بعد مراجعة طويلة مني لواقعنا الدعوي منذ أكثر من عشرين سنة، وبعد تفكر مستمر فيه وتحليل له، رأيت أن مشكلتنا الأساسية تعود إلى غفلتنا وغفلة كثير منا عن الالتزام بهذه القاعدة الدعوية الثلاثية القائلة:

( قَدِّمْ ما تُحْسِن، ودَعْ ما لا تُحْسِن لمن يُحسن، وأَعِدَّ نفسك لإحسان ما لا تُحسن ).

وقد عرضتها على عدد من كبار الدعاة في عصرنا، وتحدثتُ عنها في كثير من الدورات الدعوية، ولاقت قبولا وارتياحا من الجميع والحمدلله، حتى أطلق عليها بعضهم (القاعدة الذهبية في القواعد الدعوية ).

ومن هنا: سأتناول إن شاء الله تباعا شرح هذه القاعدة مدعوما ببعض الأمثلة العملية لها بعد مقدمة أخرى لذلك بإذن الله…

أيها الأحبة : 
متابعة للحديث عن هذه القاعدة الدعوية : ( قَدِّمْ ما تُحْسِن، ودَعْ ما لا تُحْسِن لمن يُحسن، وأَعِدَّ نفسك لإحسان ما لا تُحسن ) ، أقول :

كثير منا نحن الدعاة إلى الله عز وجل – أفرادا وجماعات – يَظُن في نفسه أنه يُحْسِنُ تقديم كل شيء من هذا الإسلام، بمجرد أنه انتسب إلى جماعة دعوية، أو حَملَ شهادة جامعية، أو حصَّل درجة علمية عُلْيا، أو قرأ كتابا، أو حفظ القرآن الكريم، أو شيئا منه، أو حفظ بعض الأحاديث النبوية الشريفة، أو حَضَر بعضَ مجالس العلم…!!! 
وهذا وَهْمٌ كبير يقع فيه اليوم كثير من شباب الدعوة وشيوخها…
فتَرى الداعيةَ مُنْدفعاً بهذا الوهم إلى الخوض في كل شيء، وإلى العمل في جميع المجالات الدعوية، متجاوزا إمكاناته الشخصية، وتَخَصُّصاته العلمية، وكأنه الفقيهُ المجتهد، والقاضي الحكيم، والسياسي البارع، والاقتصادي الفاهم، الذي يَعْكسُ بنشاطاته وتحركاته إسلامَهُ دينَ الله عز وجل الكاملَ الشاملَ… وأنَّى له ذلك…!!!

وإذا راجَعْتهُ في ذلك الوهم، ونَقَدْتَ تصرفاته تلك، بَرَّر لك تصرفاته هذه بشمول الإسلام وكماله وتوازنه… خالطا في ذلك بين خصائص الإسلام الكاملة، وبين خصائصه القاصرة الناقصة…!!! فيسيءُ من حيث يَريدُ الأحسان… فرحم الله امرءا عَرفَ حَدَّه، فوقف عنده…

ولطالما تَشوَّهت صورة الإسلام الجميلةُ الناصعةُ بمثل هذه التصرفات، وحُمِّلَ الإسلامُ أخطاءَ أبنائه ودُعاته…!!!

ومن هنا: تَبرزُ أهمية هذه القاعدة، وشِدَّةُ الحاجة إليها لتَرْشيد المسيرة الدعوية القائمة…

أيها الأحبة: 
أبدأ اليوم بعد المقدمات السابقة بشرح الجملة الأولى من هذه القاعدة الدعوية.
فالمراد من قولي: ( ما تُحسِنُ ) أي: ما تُتْقِن ، وليس مُجرَّد الاستطاعة، لأن تقديم المرء لما لا يحسن، إن كان لا يُتقِن تَقديمَه على وجهه الصحيح، قد يُسيء إلى مايقدمه من حيث لا يشعر، فيشوش صورتَه عند المدعويين، ويُنفّر الناسَ منه. 
كما يحدث كثيرا من بعض الدعاة في عصرنا، فيستدل بآية قرآنية، أو بحديث نبوي على أمر ما، فَيَضَعَه في غير موضعه، فيفهمه الناس فهما خاطئا، ويطبقونه تطبيقا مُنفِّرا…!!! 
وقد يحسن بعض الدعاة تعليم القرآن الكريم، أو الفقه مثلا ،ولا يحسن تقديم غيرهما من العلوم.
أو يُحسن تقديم الجانب التربوي أو الاجتماعي أوالخدمي في الإسلام… ولا يحسن الجانب الاقتصادي أو السياسي فيه…
فالداعية الحكيم الناجح : هو الذي يَقْتصرُ على تقديم ما يُحْسِنُ تقديمه من هذه الأمور والجوانب، ولا يُقْحِمُ نفسه فيما لا يحسن، فيسيءُ من حيثُ يريد الإحسان…!!!
اللهم اجعلنا مُبشّرين مُيَسِّرين، ولا تجعلنا مُنَفِّرينَ مُعَسِّرين، ولا مُقصّرين ولامتجاوزين…
وإلى متابعة الحديث عن شرح القاعدة في المقالة القادمة بإذن الله…

أيها الأحبة: 
أما الجملة الثانية من القاعدة الدعوية السابقة القائلة:
( وَدَعْ ما لا تُحْسِنُ لمن يُحْسِن ).
فإنَّ ما لا أُحْسِنُه وأُتْقِنُه أنا، قد يُحْسِنُه غيري ويُتقنه، فمن الواجب علي أن أتركه لغيري ممن يُحسنه، فإنه لا يَضيعُ بتَرْكي له، فالله عز وجل حافظ دينَه من الضَّياع،
وكذلك ما لا يُحسنه غيري من الدعاة، قد أُحْسِنُه أنا أو أي شخص آخر، فلن يَضيعَ بإذن الله أيضا، فكل منا مسؤول عن تقديم ما يحسنه فقط، فتكتملُ بذلك الجهودُ الدعوية، ويُعْطى الإسلام حَقَّه من جميع جوانبه على أحسن وجه، وتُقامُ الحُجَّةُ بذلك على جميع المدعويين بإذن الله، وإن الله لا يُضيعُ أجرَ من أحسنَ عملا…
وإنْ لم نَفعلْ ذلك، نُشوِّهُ صورة الإسلام الجميلة بتقصيرنا في تقديم ما نُحسن، وبتجاوزنا في تقديم مالا نُحسن، ونُصبحُ جميعا مسؤولين عن هذا التقصير وذاك التجاوز، وعن تشويه تلك الصورة الجميلة الكاملة لما ندعو إليه ونعمل له… وحسبنا الله ونعم الوكيل…
وإلى متابعة الحديث عن شرح القاعدة الدعوية في المقالة القادمة بإذن الله…

أيها الأحبة:
أما الجملة الثالثة من القاعدة القائلة:
( وأَعِدَّ نَفْسَكَ لإحسان ما لا تُحْسِن ).
فإنه إذا كان الداعية يُحسنُ بعضَ الجوانب الدعوية فقط، ويَطْمحُ إلى تقديم جوانب دعوية أخرى… فَلْيُعِدَّ نفسه لإحسان تلك الجوانب التي لا يُحسنها عن طريق تعلمها والتدريب على تقديمها، فالميدان الدعوي واسع فسيح لكل من أراد العمل فيه بشرط الإحسان والإتقان، فإن الله يحب من العبد إتقانَ عمله، وتقديمَه على الوجه المطلوب منه…
ويُؤجرُ المؤمنُ على إعداده لنفسه، كما يؤجر على إعداد غيره لإحسان القيام بواجباته الدعوية على أحسن وجه، فالإعداد مطلوب، والتنافس والتسابق في أعمال الخير محبوب ومشكور، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون…
وبتحقيق هذه القاعدة الثلاثية بإذن الله تؤتي الدعوة إلى الله تعالى ثمارها وأكلها على أحسن وجه، وتتلاشى كثير من مشكلاتها التي تعاني منها بعون الله وفضله…
أسأل الله عز وجل أن يُعيننا جميعا على التَحَقُّق بها، وأن يغفر لنا تقصيرنا وتجاوزاتنا في سبيل دعوتنا، وأن يتقبل منا ومنكم…
والحمد لله رب العالمين…

أيها الأحبة: 
أقدم إليكم المقالات التي تتعلق بشرح القاعدة الدعوية السابقة مجتمعة تسهيلا للرجوع إليها عند الحاجة نظرا لأهميتها…

(١) المقدمة.
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=1623017067735631&id=156782207692465

(٢) الأهمية.
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=1631151033588901&id=156782207692465

(٣) قَدِّمْ ما تٌحسِن.
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=1637961949574476&id=156782207692465

(٤) ودَعْ ما لا تُحْسِن لمن يُحسن.
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=1647377175299620&id=156782207692465

(٥) وأَعِدَّ نفسك لإحسان ما لا تُحسن.
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=1657773250926679&id=156782207692465