عاشوراء، ذكرى فرحة وسرور
أيها الأحبة:
يمر المسلمون في هذه الأيام المباركة، بذكرى كريمة، ذكرى فرحة تاريخية عظيمة، فرح الناس بها في الجاهلية، وشرع الفرح بها في الإسلام…
ولا يجوز عقلا ولا شرعا أن تتحول هذه الأيام الكريمة عند المسلمين إلى أيام حزن وأسى، على الرغم مما قد يمر فيها من مصائب وأحداث، التي قد لا تخلو عنها أيام شهر رمضان ولا غيره من الشهور الكريمة، والأيام العظيمة..!!!
فإذا اجتمع على المرء في أيامه ذكريات فرح وابتهاج، وذكريات حزن ومصائب – وكثيرا ما يحدث ذلك – غلب العاقل فيها مشاعر الفرح والسرور، على مشاعر الأسى والحزن، شكرا لله – عز وجل – على فضله ونعمائه، ورضاء بقدره وقضائه… مهما كان المصاب كبيرا، وداعي الحزن عظيما…
وإلا انقلبت أيام المرء جلها إلى أحزان، وانتشرت في حياته أعراض الأسى والكآبة !!!
فيوم عاشوراء الذي يطل علينا هذه الأيام، هو يوم فرح وابتهاج بنصر الله، وهو يوم مشهود من أيام الله، حيث نجى الله فيه سيدنا موسى – عليه الصلاة والسلام -،وأغرق فيه فرعون ومن معه من قومه…
وقد جاء في الحديث الشريف المتفق عليه، عن عائشة – رضي الله عنها -:
( كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، فلما قدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المدينة، صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان، ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه ).
ولما سأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – اليهود عن سبب صيامهم له، وقالوا:
إنه يوم أنجى الله فيه موسى ومن معه، وأغرق فرعون ومن معه، فصامه موسى شكرا لله، فنحن نصومه…
قال لهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
( نحن أحق وأولى بموسى منكم )،
فصامه – صلى الله عليه وسلم -، وأمر الناس بصيامه، ولما فرض صيام رمضان، نسخ وجوب صيامه، وبقي صومه نفلا…
وجاء في فضل صيامه:
( صوم يوم عاشوراء ، أحتسب على الله أن يكفر سنة ماضية )،
وحتى لا يشتبه صيام المسلمين مع صيام اليهود له، شرع لنا صيام يوم قبله، أويوم بعده…
نسأل الله عز وجل أن يجعل هذه الأيام المباركة أيام فرح وفرج عن إخواننا في بلاد الشام خاصة، وعن بلاد المسلمين عامة، فيبدل فيها أحزانهم إلى أفراح،
وهزائمهم إلى نصر، وضعفهم إلى قوة، وتفرقهم إلى جمع…
وأن يكفينا فيها شر الأشرار، ويصرف عنا كيد الفجار…
فهو وحده القادر على كل شيء، و الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو الرحمن الرحيم…
والحمد لله رب العالمين.
أيها الأحبة:
يتساءل بعض الإخوة المتابعين لصفحتي العامة على الفيسبوك، بعد قراءتهم لمقالتي السابقة حول فرحتنا الشرعية بيوم عاشوراء بنجاة سيدنا موسى -عليه الصلاة والسلام- من فرعون فيقولون:
هل تُلزِمُنا هذه الفرحة نسيانَ المصائب والأحداث التي أصابت المسلمين يوم عاشوراء، ولاسيما مصاب الأمة المسلمة بمقتل واستشهاد الإمام الحسين بن علي عليهما الصلاة والسلام…!؟؟؟
فقلت :
لا يجوز لنا أبدا أن ننسى مصائبنا الكبرى التي حلت بأمتنا خلال تاريخنا الإسلامي، وأخذ العبرة منها، وما أكثرها.!!!
بل ينبغي أن نتذكرها ونأخذ العبرة منها لنستفيد منها في حاضرنا ومستقبلنا، وأن نلتزم الأدب الإسلامي في ذكرى تلك المصائب والآلام… تماما كما نلتزم الأحكام والآداب الشرعية في الأفراح والأعياد…
وهل ينسى المسلم العاقل مصابه وحزنه بوفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، عندما يفرح ويبتهج بذكرى ولادته في شهر ربيع الأول من كل عام حيث حدثتا في يوم واحد!!؟؟
ولكن لكل مقام مقال، ولكل حَدثٍ أسلوبٌ في التعامل معه، وإذا اجتمعت ذكرى الحَدثين العظيمين المختلفين في يوم واحد، غَلَّب العاقلُ في مثل هذه الحال الحَدثَ الأكبر والأهم والأنفع للأمة على غيره، مستفيدا من الحدثين في وقت واحد، ومستثمرا كلا منهما لما فيه صالح الأمة في حاضرها ومستقبلها…
فإننا كما ينبغي علينا أن نفرح ونبتهج ونتفاءل بانتصار سيدنا موسى عليه السلام وقومه في عاشوراء على فرعون وملئه…
حُقَّ لنا في الوقت نفسه أن نحزن ونألم لمقتل واستشهاد سيدنا الإمام الحسين عليه السلام في سبيل سعيه لصالح الأمة ووحدتها…
ونَبرأَ من قاتليه وظالميه أعداء الأمة، ونأخذ العبرة من خروجه مجتهدا سعيا في الإصلاح ووحدة الأمة، وصبره على القتل والقتال في سبيل ذلك، مُحَقِّقا بذلك ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من خبر استشهاده…
وحسبنا الله ونعم الوكيل…