فرحة العيد..!

يناير1998 | رسائل الهدى

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد، و على آله و صحبه أجمعين.. أيها الإخوة و الأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فأسال الله عز وجل أن يتقبل منا و منكم صالح الأعمالنا، و أن يعيد علينا و عليكمة شهر رمضان المبارك، ونحن على أحسن حال تلاضيه عنا، و كل عام و أنتم بخير. فقد جاء في الحديث الشريف: ( للصائم فرحتان: فرحة عند فطره و فرحة عند لقاء ربه) رواه مسلم. ولعل فرحة العيد التي تعم المسلمين كبارأ و صغاراً، رجالا و نساءً، إنما هي مظهر من مظاهر تللك الفرحة الاولى التي نص عليها الحديث الشريف، ذلك لأن الفطر في رمضان كما يكون في مغرب كل يوم فيه، يكون في ختام هذا الشهر المباركن و عند التخرج من تللك الدورة الربانية الممكثفة… وحق للمسلمين جميعاً أن يفرحوا بيوم فطرهم كما فرحوا بيوم صومهم، لأن اليومين كلاهما لله عز وجل، وكل خير وفضل فيهما هو من فضل الله و رحمته بعباده… قال الله تعالى: ( قل بفضل من الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) ( الآية 58 من سورة يونس ). ولكن شتان ما بين من يفرح بالعيد، لإنتهاء أيام الصوم و خلاصه من مكابدة الجوع و العطش ..! و بين من يفرح فيه لطعم الإيمان الذي ذاقه بفضل تللك المكابدة و من جزاء تللك المجاهدة !! و شتان ما بين من يفرح لعودته إلى حياته الطبيعية ، و عاداته و مألوفاته السابقة !! و بين من يفرح بما جنى من من ثمرات ، و تحصل عليه من خيرات في ايام و ليالي ذلك الشهر الكريم !! و لا غرابة أن تتنوع أفراح الناس في أيام العيد و تختلف دوافعهم إليها ، كل بحسب يقظته أو غفلته ، و قربه أو بعده.. ولكن الغريب كل الغرابة : أن يعبرالمسلمين عن فرحتهم بوداع رمضان المبارك، بممارستهم لبعض المعاصي و الآثام، أو أن يعود كثير منهم بعد رمضان إلى ما كانو عليه قبل رمضان من غفلة، وضعف، و قصور..! من هنا كان استذكار دروس ومضان و استصحابها ضرورة ملحة، و حاجة مستمرة لا يصح أن نغفل عنها في حال من الاحوال، و إلا فقد جاء في الحديث الشريف : ( من لم يدع قول الزور، و العمل به، فليس له جاحة من أن يدع طعامه و شرابه ) رواه البخاري. دخل على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ــ رضي الله عنه ــ في صبيحة يوم عيد فرآه يأكل خل و خبز وشعير، فاستغرب لذلك و قال له : يا أمير المؤمنين: يوم عيد و خبز و شعير!؟ فقال ــ رضي الله عنه ــ مربيا و معلماً: ( اليوم عيد من قبـل بالأمـس صيامه و قيامه، و غفر ذنبه.. أما نحن، فاليوم لنا عيد، و غدا لنا عيد، و كل يوم لا نعصي الله فيه، فهو لنا عيد ). هكذا ارتقى ــ رضي الله عنه ــ بالسائل في مفهومه عن العيد، و فرحته المعتادة ، إلى ذلك المعنى السامي الذي يربط بين العيد و الطاعة و بين التوفيق إلى الطاعة ، كما يربط بين الفرحة بقبول الأعمال و غفران الذنوب… وإلا فأي فرحة في العيد لعبد رد ععليه صيامه ــ لا سمح الله ــ و لم تقبل منه طاعته و لا قياممه..!؟ أي فرحة لمن خرج من هذه الدورة الربانية العظيمة كما دخل فيها، أو لمن ودعها ليعود إلى ما كان عليه..أ؟ إنها و الله لخسارة فادحة، و مصيبة كبرى أن تمر تلك الأيام الخاليات علينا فلا نفيد منها شيئا! و أن تتجاوزنا تللك الدورات الربانية دون أن تترك بصمتها في نفوسنا و سلوكنا !! و أن تهب علينا تللك النفحات و النسمات، دون أن نقبس منها خظاً، أو نشم لها عبيراً !؟ ثم يتكرر علينا هذا في مناسبات عديدة، و مواسم متنوعة، و نحن عن مصابنا في ذلك لغافلون!! و قد جاء في الحديث الشريف : ( بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له ) رواه الحاكم و غيره بألفاظ متقاربة. و من هنا كان شعار السلف الصالح إذا ما التقى بعضهم ببعض في العيد أن يقول أحدهم للآخر : (تقبل الله طاعتكم .. ) تذكيرا بموسم الطاعة، وحرصا على قبولها، و إشفاقاً من ردها عليهم، وعدم قبولها منهم.. أيها الإخوة الأحبة : إن أمر الربح والخسارة في هذه المواسم المباركة بأيدينا، و إن مفاتيح الخير فيها ماثلة متوفرة أمام أعيننا… و إن بوسع كل منا ــ إن تحلى بشيء من اليقظة و المجاهدة ــ أن يكون له منها النصيب الأعلى، و أن يكون فيها من الناجحين الرابحين..! و إن يكون من علامات الربح و النجاح في دورة رمضان المبارك : أن يملك المرء بعدها زمام نفسه ، فيخضعها لأحكام الله عز وجل خارج رمضان ، كما أخضعها لذلك أيام رمضان … و أن يجعل من نفسه رقيبا عليها ، يرقبها في حركتها و سكناتها.. وإن من علامات الربح و النجاح فيها : أن يتحكن المرء في غرائزه و شهواته، و يكون سيد نفسه ، و يتحرر من أسر الهوى المتبع، و يتخلص من ضغط العادات الآسرة.. و إن من علامات الربحو النجاح فيها:أن يصبح الإنفاق في سبيل الله عند المسلم سجية من سجاياه، و منشطا من مناشطه، فلا يبخل في خير، و لا يتأخر عن بذل.. و إن من علامات الربح و النجاح فيها: أن يعقد على أحكامه و هديه… لا أن يصبح القرآن في حياته مهجورا بعد رمضان! و إن من علامات الربح و النجاح فيها أيضا: أن يخرج المسلم من رمضان و قد ازداد حرصه على الطاعات، و تقدم سعيه في سبيل الخيرات و المبرات، و أصبح يتطلع غلى مزيد من تلك الدورات الربانية، و المواسم المباركة… إلى غير ذلك من علامات و إشارات عديدة… فمن وجد في نفسه بعض هذه العلامات أو جلها، فليحمد الله على فضله و ليحافظ عليها و ليزد منها… ومن فقدها في نفسه، أو وجد فيها غير ذلك، فليتدارك نفسه بنفسه، و ليحاسبها على تفريطها قبل أن يحايبها غيره… و ليبادر بالتوبة و ليعزم على تصحيح و ضعه، و تدارك ما فات… فإن بابا التوبة مفنوح و مواسم الخير متنوعة متتابعة، و إن الحسنات يذهبن السيئات… قال الله تعالى : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو التواب الرحيم ) الآية /53/ من سورة الزمر. و جاء في الحديث الشريف: إن الله يبسط يده في الليل ليتوب مسيء النهار، و يبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها ) رواه مسلم. نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من عباده المؤمنين التائبين، الموفقين للخيرات، والمسارعين إلى المبرات، و أن يجعل أمثال هذه الدورات حجة لنا، لا حجة علينا، فهو الموفق و المعين.. و الحمد لله رب العالمين.. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته..