عداوة الشيطان للإنسان

27 مايو 1998 | رسائل الهدى

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى أله وصحبه أجمعين ،
أيها الإخوة والأخوات :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد قال تعالى في محكم كتابه :  {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (6) سورة فاطر ، فعداوة الشيطان للإنسان حقيقة مسلمة ، وظاهرة ملموسة ، بل هي عقيدة إيمانية ، وحقيقة تاريخية ، بدأت مع خلق هذا الإنسان وتكريم الله له ، وأمر الملائكة بالسجود له .. قال تعالى :  {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ  * وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ *فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} (34-36) سورة البقرة .
فقد اقتضت حكمته سبحانه أن يبتلي عباده في هذه الحياة بأنواع من الابتلاءات ، وكان من هذه الابتلاءات الابتلاء بالشيطان ، جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم وأحمد : ( ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن ، قالوا : وإياك يا رسول الله ! قال : وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم ، فلا يأمرني إلا بخير ).
والشياطين هم : الكافرون من الجن وأشقياؤهم ، والشيطان مخلوق شرير متمرد خفي خلقه الله من نار ، قادر على التشكل في غير صورته الحقيقية .. قال تعالى :   {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ* وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ} (15-14 ) سورة الرحمن .
وللشيطان خصائص عديدة منها :
1. أنه يرانا من حيث لا نراه ، قال تعالى :   {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} (27) سورة الأعراف .
2. أنه قادر على التشكيل بغير صورته الحقيقية ، جاء في الحديث الشريف عن رسول الله صلى عليه وسلم أنه قال : إن عفريتا من الجن تفلت البارحة ليقطع على صلاتي فأمكنني لله منه ، فأخذته فأردت أن أربطه على سارية من سواري المساجد ، حتى تنظروا إليه كلكم فذكرت دعوة أخي سليمان ( ربي هي لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي ) فرددته خاسئاً ) متفق عليه ، وقصته مع أبي هريرة رضي الله عنه حين وكله الرسول صلى الله عليه وسلم بحفظ أموال الزكاة وخروجه عليه متمثلاً بصورة رجل محتاج .. قصة طويلة ومشهورة رواها الإمام البخاري في صحيحه .
3. دقة مداخله على الناس، وخفاؤها عليهم .. جاء في الحديث الشريف : ( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم) متفق عليه . ( وسيأتي معنا في الرسائل القادمة – إن شاء الله – مزيد بيان وتفصيل لمداخل الشيطان ومنافذه على الناس .
4. حرصه على الشر بكل أنواعه ، والسعي إليه بأساليب عديدة ، جاء في الحديث الشريف : إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعادٌ بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله ، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ثم قرأ ( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ) رواه الترمذي والنسائي .
ومن أعماله المفضوحة ، ومهامه الشريرة :
1. الأمر بالفحشاء والمنكر ، وتزيينه المعاصي والآثام ، قال تعالى :   {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} (25) سورة فصلت وقال أيضا :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (21) سورة النــور
2. الوسوسة بالشر ، وصرف المرء عن طاعة الله عز وجل ، جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عيه وسلم  أنه قال ( إذا نودي للصرة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع الأذان ،فإذا قضي الأذان أقبل فإذا ثوَّب بالصلاة أدبر ،فإذا قضي التثويب أقبل ، حتى يخطِر بين المرء ونفسه  يقول : اذكر كذا وكذا ما لم يكن يذكر ، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى ) متفق عليه .
3. المس بالضر والأذى ، قال تعالى عن عبده أيوب  عليه السلام : {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} (41) سورة ص
4. إيقاع العداوة والبغضاء بين الناس ، قال تعالى :   {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*   {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} (91-90 ) سورة المائدة  وقال تعالى :   {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} (53) سورة الإسراء
إلى غير ذلك من أعمال شريرة ، وأهداف خبيثة همه تحقيقها في حياة الإنسان ، جاء في الحديث الشريف ( إن إبليس يضع عرشه على الماء ، ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة ، يجيء أحدهم فيقول : فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئاَ ، قال : ثم يجيء أحدهم فيقول : فعلت كذا وكذا ما صنعت شيئاً ، قال قم يجيء أحدهم فيقول : ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته ، قال فيدنيه منه ويقول : نعم أنت ) رواه مسلم .
فهل بعد هذه العداوة من عداوة ، وهل عرف المرء عدوه من صديقه !! نسأله  سبحانه أن يعيذنا من شر الشياطين – شياطين الإنس والجن –  قال تعالى :
(قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إله الناس * من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس )
والحمد لله رب العالمين ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التاريخ : 1/2/1419 هـ.
الموافق : 27/5/1998 م.