من مداخل الشيطان على الرجال
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى أله صحبه أجمعين ،
أيها الأخوة والأخوات : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
فقد آن لنا أن نتحدث بالتفصيل عن بعض مداخل الشيطان على الإنسان ، بعد أن تبينا عداوته له ، ووقفنا على بعض مظاهرها وأساليبها ، وعرفنا منه ، وذلك لنعمل على سدها في وجهه من جهة ، ونذكر الغافلين عنها من جهة أخرى ، انطلاقاً من مبدأ النصيحة ، وواجب التواصي بالحق والصبر .
وإننا إذ نحصر في هذه الرسالة حديثنا بمداخله على الرجال ، قد نجد في هذه المداخل ما هو مشترك بيم الرجال وغيرهم ، لتداخله وتشابكه ، كما قد نجد ما يقابل هذا الاشتراك في حديثنا عن مداخله على النساء مستقبلاً ، فلا حرج في ذلك ، والعبرة للغالب .
ولعل من أبرز مداخله على الرجال :
1. أن يصرفهم بكسب الدنيا عم كسب الآخرة ، ويزين لهم ذلك بأن سعيهم في جمع المال ، ونيتهم في إنفاقه على العيال ، ضرب من ضروب الجهاد في سبيل الله ، فيصبح الرجل وكأنه لا يرى أمامه باباً من أبواب الجهاد في سبيل الله إلا هذا الباب ، فيبذل فيه جهده ، ويستهلك نشاطه ووقته ، ويضيع فيه عمره .. فإذا ذكر بأبواب الخير الأخرى ، ودعي إلى بذل شيء فيها تثاقل وتقاعس ، ووجد فيما زين له شيطانه مبرراً لحاله هذه وكان من المغبونين الخاسرين ..
2. أن يصرفهم عن تحمل مسؤولية ( القوامة ) في رعاية الأسرة وإدارة أمورها ، ويصورها لهم حقاً من حقوقهم ، يمكنهم التنازل عنه لغيرهم من الزوجات والأولاد .. فتسود الفوضى ، وتفسد الأمور ، ويضيع الأولاد ..
إذا ذكروا في ذلك ، وقيل لهم : إن القوامة واجب من واجبات الرجال ، ومسؤولية من مسؤولياتهم تجاه أسرهم ، لا يجوز التنازل عنها ، ولا التقصير فيها ، تعجبوا من ذلك وكأنهم لم يسمعوا من قبل قول الله عز وجل : {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } (34) سورة النساء ، ولا قوله صلى الله عليه وسلم : كلكم راعِ و مسؤول عن رعيته .. والرجل راعِ في أهله وهو مسؤول عن رعيته ) متفق عليه .
وإذا أرادوا استردادها ضعفوا عن ذلك بعد تنازلهم عنها ، وأمام تمسك الآخرين بها ، وكانت النتيجة الضياع ، والتخبط والخسران !1 قال تعالى : {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} (15) سورة الزمر
3. أن يوقعهم في سوء التصرف من خلال قيامهم ببعض مسؤولياتهم ، وفي التعسف في استعمال بعض حقوقهم .. فيفوت عليهم الأجر من جهة ، ويصل بهم إلى التقصير والظلم من جهة أخرى ..
وإذا ذكروا في ذلك ،، أخذتهم العزة بالإثم ، محتجين بمالهم من حقوق ، ومتانسين ما عليهم من واجبات !! وكأنهم لم يسمعوا قول الله عز وجل : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } (228) سورة البقرة ، أو يفهمون هذه الدرجة على غير وجهها فيلبس الشيطان عليهم الأمور ، ويزين لهم الأخطاء والانحرافات !!
4. أن ينسيهم جهاد النفس ، وواجب تزكيتها ، ومسؤوليتهم تجاهها ، فتقوى فيها الأحوال الشريرة ، وتنمو بها الأخلاق السيئة ، وتثقل عن الطاعة ، وتنشط للمعصية ..!!
وإذا ذكروا بذلك احتجوا بالطبع الغالب ، وادعوا العجز عن التغيير ، غافلين عن قول الله عز وجل : {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} (10-9) سورة الشمس ناسين وعد الله لعباده بهداية المجاهدين ، ومعية المحسنين ، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (69) سورة العنكبوت
5. أن يبعدهم عن جهاد الدعوة ، ويسكتهم عن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مصوراً لهم بأنها وظيفة العلماء والفقهاء ، فير كنون بذلك إلى السكون والسكوت !غافلين عن واجب الدعوة على كل مسلم بالقدر الذي يحسنه ، ومعرضين أنفسهم وأمتهم لعذاب الله وغضبه !! قال تعالى : {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (104) سورة آل عمران وجاء في الحديث الشريف : ( لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطرأ ولتقصرنه على الحق قصراً ، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ، ثم ليلعننكم كما لعنهم ) رواه أبو داود .
6. أن يخوفهم الفقر ، فيصرفهم عن الإنفاق في سبيل الخير ، ويقعدهم عن جهاد المال .. مذكراً لهم بما قد يعرض لهم و لأهليهم وأولادهم من احتياجات مستقبلية لا تقف عند حد ! حتى يصل بهم أحياناً إلى الوقوع في الكسب الحرام ، أو التردد في إخراج الزكاة ، فضلاً عن حرمانهم من ثواب الإنفاق والتطوع !! قال تعالى : {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (268) سورة البقرة وجاء في الحديث الشريف : ما من يوم يصبح العباد فيه ، إلا ملكان ينزلان ، فيقول أحمدهما : اللهم أعط منفقاً ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفا ) متفق عليه .
7. أن يصرفهم عن جهاد القتال ، والتطلع إلى الشهادة في سبيل الله ، فيجعلهم من القاعدين الخاسرين !! قال تعالى : {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (111) سورة التوبة
وقال أيضاً : {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} (95) سورة النساء
8. أن يبعدهم عن الجلساء الصالحين ، ويوجههم إلى قرناء السوء ، والخلطة الفاسدة ، ليخوضوا مع الخائضين ، ويشاركوا الغافلين غفلتهم ، ويقعوا في معصية الله غافلين عن تحذير الله عزل وجل : {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا} (27-29) سورة الفرقان
9. أن يأمرهم بقطع العلاقة مع الأرحام ، ويضعف العلاقة بنهم وبين أقاربهم فتتقطع الأرحام ، ويتباعد الأقارب ، وتسود الضغينة ، ويفشو الحسد والحقد بين الأهل !! قال تعالى : {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} (22) سورة محمد
10. أن ينزع بين قلوب المؤمنين عامة ، وينسيهم الأخوة الإيمانية، ويقيم بين الناس علاقات مادية ، وروابط شيطانية .. فتفترق صفوفهم ، وتتشتت كلمتهم ، ويتنازعون فيما بينهم .. قال تعالى : {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} (53) سورة الإسراء .
إلى غير ذلك من مداخل كثيرة ومنافذ عديدة ، ونسأل الله عز وجل أن يعيننا على سدها ، والتنبه إليها ،فهو وحده الموفق والمعين .
والحمد لله رب العالمين ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التاريخ : 1/ 4/ 1419 هـ
الموافق: 24/ 7/ 1998 م