أين نحن من التقوى
الحمد الله رب العلمين ، وأفصل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ؛
أيها الإخوة المسلمون في كل مكان ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد ؛
فيطيب لنا أن نلتقي لقاء الإيمان والحب في الله لنجد عهد الأخوة في الله متذاكرين متناصحين ، فيما يحقق لنا مرضاة الله سبحانه ، ويقربنا إليه ، وحديثنا إليكم اليوم عن التقوى .
أيها الأحبة ؛ ما أكثر ما تكررت كلمة التقوى في كتاب الله تعالى ، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ،وصية بها و أمراً وحثنا على ما تقتضيه من التزام وطاعة ، وخوفاً من الله تعالى وخشية ، حتى أنها تكررت في القرآن الكريم أكثر من مئتين وخمسين مرة ، وتكرر الأمر بها أكثر من سبعين مرة .يقول الله تعالى ( ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إياكم أن اتقوا الله ) النساء 131 .
وإن الحديث عن التقوى في القرآن الكريم يمثل خيوطا من نور ، تربط بين أجزائه من أوله إلى آخره ، وتنظيم حقائق الإيمان والدين في كل شأن من شؤونه .. وهي تدرك المؤمن في كل حركة أو سكون، وتحيط به من كل جانب، وتقول له في كل لحظة وعند كل فكرة أو خطرة ( اتق الله.! اتق الله .! ) .
إنها تسبق كل عمل ، وتقرن بكل عمل ، ويختتم بها كل عمل ، لتكون خاتم القبول له عند الله .! ويكتب صاحبه من المتقين (وإنما يتقبل الله من المتقين ) المائدة 27 ، فهي مصابيح نورانية هادية نورها ليس من نور الأرض ،وإنما من نور الله و ( الله نور السموات والأرض) ، (ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور ) النور 40 وقد كان من دعواته صلى الله عليه ويسلم الجامعة ( اللهم اجعل في قلبي نوراً .. ) .
وحقيقة التقوى حالة قلبية ، تقوم على خشية الله ومراقبته ، وتعظيم أمره ونهيه ، تبعث صاحبها على فعل ما يحب الله ويرضى ، والمسارعة فيه ، واجتناب ما يسخطه ، والبعد عنه ، ومحلها القلب يضخ آثارها وثمراتها على سائر الجوارح والأعضاء ، كما يضخ الدم من القلب ،فينشر إلى سائر الجسد ، فتعمل أجهزته ، وتحيا به خلاياه . وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم (التقوى ها هنا .!) ثلاث مرات ويشير إلى صدره.؟!
وسأل عمر بن الخطاب أبي بن كعب رضي الله عنه عن التقوى ؟ فقال له (أما سلكت طريقا ذا شوك ؟ قال بلى ،قال فما عملت ؟ قال شمرت واجتهدت ، قال وكذلك التقوى ) .
وهي في تعريف الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ( خوف الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والرضا باليسير ، والاستعداد ليوم الرحيل ) .
وإن التقوى أيها الإخوة ! تجعل في قلب المؤمن نوراً يكشف الشبهات ، ويزيل الوسواس والأوهام ويثبت الأقدام على الطريق الشائك الطويل .. بل إنها لتجعل من قلب المؤمن مرجعاً له عند التباس الأمور ، واضطراب الموازين والمفاهيم ،ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن البر والإثم (استفت قلبك ، وإن أفتاك الناس وأفتوك ) . وهي تجعل في قلب المؤمن فرقاناً ، يكشف له معالم طريقه إلى الله ، ولا يعرف هذه الحقيقة إلا من ذاقها ، وأخلص في التعامل معها، وغمرت مخافة الله وتقواه فؤاده ، وعندئذ يستنير عقله ويستضيء،ويتضح له الحق ويستبين،يطمئن قلبه ويستريح ، وتستقر قدمه و تثبت على الطريق .. وإن الحق في ذاته لا يخفى على الفطرة، ولكن الهوى هو الذي يحول بين الحق وبين الفطرة.. والهوى لا تدفعه الحجة الساطعة ، بمقدار ما تدفعه التقوى الرادعة ، تدفعه مخافة الله ومراقبته في السر والعلن التي تشرق بها البصيرة،وتستنير السريرة ، ويقف الإنسان فيها عند حده ؛ فلا يشتط ولا يميل ،ولا يتقاصر ولا يذل ..
وإن من علامات التقوى
1 – الابتعاد عن المعاصي والآثام ، والحذر من الوقوع فيها والاقتراب منها .
2 – الحرص على الطاعات ، والتسابق في الخيرات ، والمسارعة في المبرات فقد قال تعالى في وصف المؤمنين (أولئك يسارعون في الخيرات ، وهم لها سابقون ) المؤمنون 61 .
3 – التورع عن الشبهات ، وترك ما لا بأس به حذراً من الوقوع فيما به بأس ،ففي الحديث الشريف ( لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين ، حتى يدع مالا بأس به ، حذراً لما به بأس ) رواه الترمذي وقال حديث حسن .
4 – الأنس بذكر الله عز وجل ، وذكر رسوله صلى الله عليه وسلم وذكر الصالحين من عباد الله ، قال تعالى ) الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ، ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) الرعد 28 .
5 – الحرص على صحبة الصالحين المتقين ، قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) التوبة 119 .
كما أن من علامات البعد عن التقوى
1 – الإصرار على ارتكاب المعاصي والآثام .
2 – الزهد في الطاعات والعبادات والوقوع في الشبهات .
3 – الغفلة عن ذكر الله عز وجل وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم والانشغال بذكر الدنيا ولذاتها وشهواتها ..
4 – الخوض مع الخائضين ،ومجالسة الغافلين …
فهلا نقف أيها الإخوة ! عند الحديث عن التقوى في كتاب الله تعالى كلما مر بنا الحديث وقفة متدبرة ، لنرى أنحن في زمرة المتقين فلنستبشر ببشائرهم في كتاب الله جل وعلا ،قال تعالى ( إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عينيدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم ) الدخان 51_57 .
ونوصيكم أيها الأحباب بالرجوع إلى كتاب (شؤم المعصية وبركة التقوى ) لشيخنا ووالدنا أحمد عز الدين البيانوني رحمه الله _وتدبر ما فيه الذي جعله فاتحة لسلسلة (من هدي الإسلام ) ، سائلين الله عز وجل أن يجعلنا من عباده المتقين ، وأن يحشرنا في زمرتهم يوم الدين..
والحمد لله رب العالمين..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..