سيذكر من يخشى
الحمد لله رب العالمين، و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد ، و على آله و صحبه أجمعين ، أيها الأخوة المسلمون في كل مكان .
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ، و بعد ؛
فيطيب لنا أن نلتقي بكم لقاء الإيمان و الحب في الله تعالى لنجدد عهد الأخوة في الله متذاكرين متناصحين ، فيما يبلغنا مرضاة الله سبحانه ، و إننا بحاجة ماسة أيها الأحبة إلى الذكرى النافعة ، التي توجب رقة القلب ، و تستخرج دمعة العين فمن يتفكر منا بنفسه يجد أن في قلبه قسوة بكثرة الطواف في عالم الأهواء والشهوات ، لو كانت مأذونة مباحة … فكيف إذا كانت من المكروهات أو المحرمات ؟؟ و لأن من شأن المؤمن أن يلتمس الذكرى و يحرص عليها و يفتح قلبه للذكرى و يفرح بسماعها و أن يتخذ منها زادا و قوتا و بلاغا إلى ما يرضي الله و ألا يسمح للمعوقات أن تقف دون قلبه فلا ينتفع بالذكرى التي تساق إليه ، و ألا يرضى لنفسه أن تأنف عن الذكرى أو تضع المبررات للإقامة على ما هي عليه من الغفلات و التفريط ..، كما أن من علامة سعادة المؤمن أن ينتفع بأي ذكرى تعرض عليه ، بل إنه ليرى في كل ما يمر به عبرة و ذكرى يسوقها الله إليه ، و ما أكثر عبر الحياة و مواعظها لمن أدمن الفكر و أحسن الظن ، و قد شهد الله تعالى العقل لمن يتفكرون و يتدبرون ، و يتعظون بما يعرض على أسماعهم و أبصارهم من عبر الكون و الحياة ؛ فقال سبحانه و تعالى
((إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب (190) الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات و الأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار(191) ))آل عمران 190-191
وقال سبحانه إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد (37) ق37 .
و إن من أهم أنواع الذكرى التي تعرض على قلب المؤمن و كثير من الناس عنها غافلون خطبة الجمعة ، و تلاوة القرآن و سماعه ، و سماع الحديث الشريف ، و تلاوة السيرة النبوية العطرة ، و زيارة العلماء و الصالحين ، و سماع مواعظهم و تذكيرهم ، و زيارة الإخوة في الله ، و طلب النصح منهم ، و سماع أخبار الناس ووقائعهم ، و موت الأقربين و الأبعدين ، و إن في ذلك لعبرة و أي عبرة !
و قد أثر عن عمر رضي الله عنه أنه كان يعظ نفسه فيقول ( كل يوم يقال مات فلان و فلان ، و لا بد من يوم يقال فيه مات عمر ) !
فما أكثر المواعظ و الذكريات التي تمر على أسماعنا و قلوبنا .! أفرأيت يا أخي المؤمن لو أنك خرجت من كل موعظة أو ذكرى بفائدة واحدة ، وضعتها نصب عينيك ، و عملت عليها أياماً حتى تكون جزءا من حياتك ، و تصبح لك عادة فكيف يكون حالك بعد سنة أو سنتين ..؟
و اعلم أن أكثر ما يحول بين الإنسان و بين الانتفاع بالموعظة و الذكرى اتباع الهوى ، و طول الأمل ، و هما مادة كل شر و فساد ، فإن اتباع الهوى يعمي عن الحق ، و يقسي القلب ، و طول الأمل ينسي الآخرة ، و يصد عن الاستعداد لها ، و ذلك من علامات الشقاء و العياذ بالله .
قال سبحانه سيذّكّر من يخشى(10)ويتجنبها الأشقى (11)الذي يصلى النار الكبرى(12)ثم لا يموت فيه ولا يحيى(13) الأعلى 10-13 .
وما عوقب العبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب، التي هي أثر لبعده عن الله سبحانه ؛ وإن أبعد القلوب عن الله القلب القاسي ، لأن القلب القاسي لا تنفعه عبرة ، ولا تؤثر فيه موعظة ، وإذا قسى القلب قحطت العين، وطعنت النفس، واغترت بقليل العمل ومدخوله ، وإنما يقسو القلب بتعلقه بالشهوات ، واسترساله فيها ، وتجاوزه قدر الحاجة من المأكل والنوم والكلام والمخالطة، وكما أن الجسد إذا مرض لم ينفع معه الطعام والشراب ، فكذلك القلب إذا مرض بالشهوات لم تنفع معه المواعظ.
وقد ورد في الأثر القلوب آنية الله في أرضه ، فأحبها إلى الله أرقها ، وأصلبها وأصفاها ومن كلام الإمام ابن القيم – رحمه الله – إذا غذي القلب بالتذكر ، وسقي بالتفكر ، ونقي من الدغل ، رأى العجائب وألهم الحكمة
وإن من أعظم مظاهر الغفلة في حياتنا أيها الأخوة الغفلة عن الله وذكره ، والغفلة عن نعمه وفضله . وإن من صفات المؤمنين والمؤمنات أنهم من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات، كما أن من صفات المنافقين ( ولا يذكرون الله إلا قليلا) النساء 142.
وإن من صفات المؤمنين التزامهم بأحكام دينهم، واهتدائهم بهدي نبيهم ، (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) الأحزاب 36.
وإن من صفاتهم أيضا استشعارهم بفضل الله عليهم ، حيث أسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة ، فألسنتهم تنطق بالحمد ، وأعمالهم تشعر بالشكر ( اعملوا آل داود شكرا، وقليل من عبادي الشكور ) سبأ 13.
أيها الأخوة الأحباب ما أحوجنا اليوم إلى تذكر وتذكير دائم ، يدفع عنا أطناب هذه الغفلة ، فيجعلنا من عباد الله الذاكرين الشاكرين الخاشعين المتقين !!
قال تعالى
الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ و العافين عن الناس والله يحب المحسنين(134)والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون (135) أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين(136)
آل عمران 134-136
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..