المسلم في موقف القدوة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين..
أيها الأخ المسلم، أيتها الأخت المسلمة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن من أهم ما يوصي به المسلم إخوانه، ويذكرهم به أن الله عز وجل أكرمهم فاختارهم ليكونوا في موقف القدوة لغيرهم، فالمسلم مهما كان موقفه، وأيا كان مستواه هو في موقعه، وأيا كان مستواه هو في موقف القدوة لغيره، عرف ذلك أولم يعرف، أراد ذلك أو لم يرد، ذلك لأنه فرد من أفراد هذه الأمة التي أخرجت للناس، قال تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف، وتنهون عن النكر، وتؤمنون بالله …) الآية 110من سورة آل عمران.
ولأنه من أتباع ذلك الرسول العظيم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه، وسراجاً منيراً، والذي خاطبه ربه بقوله (قل هذه سبيلي أدعوه إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني …)الآية 108من سورة يوسف عليه السلام. ولأنه يتحرك بهذا الدين العظيم، يرفع شعاره، ويمارس آدابه وشعائره، فتنسحب عليه خصائصه، وتختلف نظرة الناس إليه، وعن نظرتهم إلى غيره…
ينظر الناس إلى الشاب الملتزم بدينه، والفتاة الملتزمة نظرتهم إلى القدوة والأسوة، لأنهم يعيشون في مجتمعات أضحى الإسلام فيها غريبا بين أبنائه، حيث غفل فيها كثير من المسلمين عن واجباتهم، وفقدوا فيها كثيراً من خصائصهم ومزاياهم….
أخي المسلم، أختي المسلمة لا يخفى على عاقل الفرق الكبير بين موقف القدوة وبين غيره من المواقف، فإن لكل موقف خصائصه ومتطلباته، فإذا غابت تلك الخصائص، وضاعت هذه المتطلبات، اختلط الحابل بالنابل، والتبس الحق بالباطل، وافتقد الناس ((الأسوة والقدوة)) وخبطوا في سيرهم خبط عشواء! إن مثل الفرق بين الموقفين، مثل الفرق بين السيارات المعدة للاستعمال الشخصي، والسيارات المعدة للدعاية والإعلان من قبل إحدى الشركات والوكالات المعروضة في المعارض والصالات… فإن مثل هذه السيارات المعدة لذلك، تتطلب من العناية بها، والحرص على نظافتها وجمال شكلها، وسلامة مخبرها، مالا تتطلبه السيارات المعدة للاستعمالات الشخصية، والتي قد يتهاون صاحبها في صياغتها وفي إصلاح شكلها، وفي تنظيف هيكلها، ما دامت محققة له غرضه وحاجته منها…
أما أن توضع في مقام الدعاية والإعلان، فتعرض في المعارض على حالها، فهذا مما لا يرضاه تاجر أو يقبل به عاقل!! فليتذكر المسلم دائما أنه في موقف القدوة والأسوة، وفي مقام الدعاية والإعلان عن هذا الدين، حتى يعطي المقام حقه، والموقف متطلبه… ولعل من أهم تلك المتطلبات -على كثرتها-:
1- الحرص على الكمال والجمال في المخبر والمظهر، والسريرة والإعلان، وقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم (اللهم اجعل سريرتي خيرا من علانيتي، واجعل علانيتي صالحة).
2- اجتناب المحرمات، واتقاء الشبهات، فقد جاء في الحديث الشريف (إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، أستبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات، وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا و إن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) متفق عليه.
3- المسارعة في أداء الواجبات، والإكثار من النوافل والطاعات، فقد جاء في الحديث الشريف (… وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه).
4- الحرص على المبرات، والتنافس في سبيل الخيرات، قال تعالى في وصف عباده المؤمنين وأنبيائه المرسلين ( … أنهم كانوا يسارعون في الخيرات، ويد عوننا رغباً ورهباً، وكانوا لنا خاشعين) الآية 90 من سورة الأنبياء، وقال أيضاً )… وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) الآية 26 من سورة المطففين.
5- التوازن في الأخلاق والصفات فكن جامعا لمحاسن الأخلاق، متوازناً فيها، لطيفاً ليناً في مواقف اللين، شديداً حازماً في مواقف الشدة والحزم، واحرص على أن تعط لكل موقف حقه ومتطلباته، فإن عظة الأخلاق وجمالها كامنة في كمالها وتوازنها، ومن هنا جاء وصف الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم (وإنك لعلى خلق عظيم) الآية 4 من سورة القلم.
6- اليقظة والوعي والحذر، حتى لا تقع في حبائل شياطين الإنس والجن، الذين يحرصون على إضلالك، ويعملون على أبعادك عن ربك، ويتمنون إغراقك في غفلتك … قال تعالى (قل أعوذ برب الناس، ملك الناس، إله الناس، من شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس، من الجنة والناس).
7- التزود من العلم والمعرفة، والتفوق في تخصصك، ولا تركن إلى شهادة حصلت عليها، ولا تكتف بمستوى وصلت إليه، وتذكر خطاب الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم (وقل رب زدني علما) الآية 144من سورة، طه، وإن علو الهمة من الإيمان.
8- التعاون مع أهل الخير والصلاح على البر والتقوى، وبذل المحبة والاحترام لهم، والحرص على مجالستهم، وتجنب العزلة المميتة، والفردية المقيتة، فقد قال الله عز وجل (وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) الآية 2 من سورة المائدة، وجاء في الحديث الشريف (عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو مع الاثنين أبعد) الحديث رواه الترمذي وقال عنه هذا حديث حسن صحيح غريب، انظر ت 2254.
9- الحرص على الأخوة الصالحة الناصحة، المذكرة بالخير، و المعنية عليه، فإنما مثل الأخوين لا في الله مثل اليدين تغسل احدهما الأخرى كما روي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه.
10- مراقبة الله عز وجل في السر والعلن، والإكثار من ذكره، والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه خير زاد للمرء وأيسره… فقد جاء في تعريف الرسول صلى الله عليه وسلم ، للإحسان ( أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) متفق عليه، وجاء في صفات المؤمنين (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات …) الآية 35 من سورة الأحزاب.
إلى غير ذلك من متطلبات لا تخفى على الواقف في موقف القدوة، المستشعر لعظمة الوقف ومسؤولياته…
أسأل الله عز وجل أن يعيننا جميعا على تحقيق هذه المتطلبات في أنفسنا وأهلينا، وأن يجعلنا من عباده الموفقين للخيرات، والمسارعين فيها، ومن عباد الرحمن الذين كان من دعائهم (ربنا هب لنا من أزوجنا وذريتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماما) الآية 74من سورة الفرقان.
والحمد لله رب العالمين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..