أجوبة على تساؤلات حول الحراك الشعبي 11

2013 | أجوبة على تساؤلات حول الحراك الشعبي, سلسلة مقالات فقه المحنة

أيها الأحبة:

استكمالا للإجابة عن التساؤل السابق عن الحكم بفقه الموازنات، أقول:
لقد كان موقفي مع مجموعة العلماء في حلب وعلى رأسهم فضيلة مفتي حلب الشيخ الدكتور إبراهيم السلقيني – رحمه الله -، ومن بعده: فضيلة الأستاذ الدكتور محمود عكام – مفتي حلب الحالي – من الأزمة السورية قبل بدئها، وأثناء استمراريتها، قائما على فقه الموازنات المبني على فقه الواقع، وفقه المآلات…
فقد كان الظلم القائم في البلاد، والفساد المنتشر على مختلف المستويات فيها واضحا لجميع الناس، ومعترفا به من كبار المسؤولين في النظام القائم، كما كان التقصير في رفع الظلم، والعمل على إصلاح الفساد كبيرا، وذلك من مختلف الناس غفلة عنه، أو عجزا عن معالجته، أو خوفا من تمكن بعض المتسببين فيه، والحذر من مواجهتهم…

فلما فتن كثيرٌ من الشباب مما جرى من تغيير في بعض البلدان العربية، فظنوا فيه الطريق الصحيح للإصلاح والتغيير، وأخذوا يخططون لأنفسهم مقلدين ما جرى في تلك البلدان، غافلين عن الفوارق بينها، وعن الخلل في واجب الموازنة بين الإمكانات والواجبات…
هبت هذه الثلة الكريمة من أهل العلم في حلب لتدارك ذلك، ودفع الخطر المتوقع من وراء مثل هذه التحركات، تجنبا للفتنة التي أطلت بقرونها على بلدنا سورية منذ ثلاث سنوات تقريبا، فتحركت هذه المجموعة بذلك على أعلى المستويات الرسمية داعية بكل صراحة وشفافية إلى الإسراع في عملية الإصلاح، وناصحة وحذرة من أخطار مثل هذه التحركات…ولاقت التفهم والتعقل من كبار المسؤولين وعلى رأسهم السيد رئيس الجمهورية، وتلقت الوعود المؤكدة من قبلهم، وطلب التعاون مع العلماء والعقلاء في سبيل ذلك.

كما نصحت الشباب المتحمس العازم على الحراك، بالعدول عن هذا الأسلوب، وترك ذلك للعلماء والعقلاء ليعالجوا الأمور بحكمتهم، وحذرتهم من النتائج الوخيمة المتوقعة من وراء تلك الحراكات العشوائية التي تزيد الظلم ظلما والفساد فسادا …فلم تلقَ من أكثرهم إلا الإعراض والتصميم على تلك الحراكات! بناءً على الآمال والأحلام، وتصديقا للوعود الكاذبة من أعداء الأمة على دعمهم ومساندتهم، ووقوعا في شباك المؤامرة الكبرى.

ثم كان ماكان من عرقلة لسبل الإصلاح، وتعميق للفساد المنتشر، وزيادة في الظلم القائم، مما أعجز الجميع دفعه، وجعل الحليم حيران…
ومع وضوح هذه المآلات المؤلمة اليوم والتي جرت إليها تلك الحراكات من زيادة في الفساد والظلم، ومزيد من القتل والتخريب والتدمير، وتبدل الأمن بالخوف، والشبع بالجوع…لايزال كثير من الناس يتعامون عن رؤية ذلك، غير معترفين بالخطأ، ومعرضين عن التوبة والرجوع إلى منهج الله ورسوله في الإصلاح والتغيير، منتظرين النصر من دون الأخذ بأسبابه، وداخلين البيوت من غير أبوابها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم…

أسأل الله عز وجل أن ينجينا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعل العاقبة خيرا، فهو وحده القادر على رفع البلاء والنصر على الأعداء…

***

كتب إلي أحد اﻹخوة معاتبا:
(كيف تقول في مقالة من مقاﻻتك عن الدكتور:بشار اﻷسد-رئيس الجمهورية العربية السورية -السيد رئيس الجمهورية!!!؟وتنسب إليه أنه يعترف بوجود الفساد والظلم في النظام القائم في سورية!!!؟)
وفي اﻹجابة عن هذا التساؤل أقول:
أما عن اعترافه بوجود الفساد والظلم في النظام… فلقد سمعته منه مباشرة في لقائي به مع السادة العلماء الذين حدثوه عن ذلك، فقال: (إن الفساد والظلم قائم ومنتشر.. وﻻبد لنا من التعاون مع المصلحين في سبيل اﻹصﻻح…)، ومن العدل نسبة القول إلى صاحبه…
أما عن قولي عنه: (السيد رئيس الجمهورية) عند ذكره… فإنها مقولة حقة، وحقيقة قائمة… ومن اﻷدب اﻹسﻻمي أن تسمى اﻷمور بمسمياتها، وأن ننزل الناس منازلهم…
وقد جاء في الحديث الشريف: (المؤمن ليس بالطعان وﻻ اللعان، وﻻ الفاحش وﻻ البذيء).
وإذا تتبعنا الخطابات القرآنية، حتى التي تحدثت عن غير المسلمين من اليهود والنصارى والمشركين… وجدناها تسمي اﻷشياء بمسمياتها، وتخاطب الناس بأسمائهم وألقابهم… ولم يمنعها من ذلك واقعهم، وماهم عليه من باطل أوطغيان…!!حتى قال الله عز وجل لموسى وهارون عليهما السﻻم: (اذهبا إلى فرعون إنه طغى..)!!!
ولو تتبعنا الخطابات النبوية كذلك، لرأينا ذلك في اﻷدب النبوي أيضا… فقد جاء في رسائله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى (عظيم فارس) وإلى هرقل (عظيم الروم) وإلى المقوقس (عظيم القبط) وإلى النجاشي (عظيم الحبشة) و(ملك الحبشة) وهكذا !!!!
وﻻ يخفى على أحد ماذا كان حالهم في ذلك الوقت. فإذا كان هذا هو اﻷدب اﻹسﻻمي في الحديث عن غير المسلمين… فكيف يكون الحديث عن المسلمين وحكامهم!!!!!!
أيها اﻹخوة اﻷحبة:
شتان ما بين الخطاب الدعوي المحبب إلى النفوس، وما بين الخطاب المسيء المنفر!!! فالمسلم الذي يستشعر مسؤولية الكلمة، ويعلم أنه داعية قبل كل شيء، يلتزم اﻷدب القرآني والنبوي في الحديث عن اﻵخرين، وﻻ يطلق لسانه في الطعن واللعن مشيعا الحقد والكراهية بين الناس!!!
وهذه الخطابات القرآنية تنادينا: (وقولوا للناس حسنا ) و(وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن )…
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطﻻ وارزقنا اجتنابه، وأصلح لنا شأننا كله، واحفظ لنا ألسنتنا وجوارحنا عن كل سوء… والحمد لله رب العالمين…

***

١٦ مارس ٢٠١٤ ·
كتب إلي أحد اﻷحبة من طلبة العلم مستشكلا قولي: (السيد رئيس الجمهورية…)، وكأنه يراه معارضا لبعض اﻷحاديث الشريفة الناهية عن إطلاق كلمة (سيد) على عامة الناس، لما تحمله من معاني التعظيم!؟
فأجبته بهذه اﻹجابة العلمية، موضحا له عدم التعارض في ذلك… ولما تكرر مثل هذا اﻹشكال على بعض المتابعين على الخاص؟! رأيت تعميم إجابتي له على اﻹخوة المتابعين، تعميما للفائدة، عسى أن يجدوا فيها فائدة علمية نادرة… وشكرا للإخوة السائلين الذين كانوا سببا في هذه الفائدة. وهي:
إن كثيرا من الكلمات تخرج عن حقيقتها اللغوية إلى حقيقة عرفية ﻻتحمل تلك الدﻻلات السابقة، فيتغير حكم استخدامها من وقت ﻵخر تبعا لتغير اﻷعراف البشرية.. ومن هنا قرر علماء اﻷصول: أنه إذا تعارضت الحقيقة العرفية مع الحقيقة اللغوية، قدمت الحقيقة العرفية .
ومن هذه الكلمات: كلمة (أستاذ) وكلمة (سيد) و(شيخ) وغيرها.. فقد خرجت في كثير من المواطن عن دﻻلتها التي وضعت له، وأصبحت تقال للناس لمجرد تزيين كلام المخاطب، والتأدب مع المخاطب، حتى أصبحت تقال للمخاطب العامي، كما تقال للمخاطب المثقف، فيقول المرء لمن يخاطبه: يا أستاذ فلان، ويا سيد فلان، دون أن تحمل عنده أي معنى من معاني التعظيم..خلافا لما كانت تحمله سابقا…
ومن هنا: يلزم أن تفهم اﻷحاديث الشريفة الواردة في النهي عن استخدام كلمة (سيد)على هذا، وإﻻ وقعنا في تأثيم كثير من الناس من حيث ﻻ نشعر!! ومثل هذا ذكره العلماء المحققون في بعض ألفاظ ألفاظ اليمين والقسم، كالقسم بأبي فلان.. الذي قد يرد لمجرد تزيين الكلام، وﻻ يقصد فيه المتكلم معنى التعظيم أصلا.. كما جاء في بعض ألفاظ حديث البخاري (أفلح وأبيه إن صدق)….
فإطلاق مثل هذه اﻷلفاظ على سبيل التأدب باللفظ مع المتحدث عنه، أو مع المخاطب ﻻحرج فيه أصلا، وقد يصبح مطلوبا بحسب مقام المخاطب إن كان عالما أوحاكما أو وجيها.. وهكذا..
وإذا غابت عن الناس بعض هذه المعاني واﻵداب، فلا يجوز أن تغيب أبدا عن طلبة العلم، ليكونوا قدوة عملية في أدب الحديث!!! وﻻ يصح أن تخرجنا عواطف البغض والكراهية عن منهج اﻷدب اﻹسلامي في الخطاب، كما يحدث في كثير من اﻷحوال.!!! وﻻ أظن بوجود فارق مؤثر بين الخطاب المباشر أو غير المباشر -كما أشرت في حديثك- وبالقدر الذي يستشعر فيه المتكلم بصفته الدعوية، يستشعر بضرورة اﻻلتزام بهذه اﻵداب..
هذا ما أحببت توضيحه لكم أخي العزيز، كما أوضحته سابقا وباختصارلمستفسر آخر، ولعلي أجد مصلحة في جعله مقالة كاملة قادمة… لتعم فائدته على القارئين، وتقبل سلامي ودعواتي..

***