أجوبة على تساؤلات حول الحراك الشعبي 9

2013 | أجوبة على تساؤلات حول الحراك الشعبي, سلسلة مقالات فقه المحنة

أيها الأحبة:

كتب إلي أحد الأحبة المتابعين لكتاباتي قائلا: (كثيرا ما تحدثت عن فقه الموازنات، واستدللت به على موقفكم وموقف علماء حلب من الأزمة الحالية في بلادنا…!! وقد قرأت لبعض المفكرين المعاصرين منذ أيام، يقول عن فقه الموازنات ما معناه: إنه فقه غامض وينتقد بشده المتمسكين به في استدلالاتهم، وتبرير مواقفهم…) فما قولكم في هذه المقولة؟
وفي الإجابة عن هذا أقول:

1- إن فقه الموازنات فقه عميق ودقيق، وليس من العدل في الحكم عليه أن يوصف بالغموض، فهو واضح جلي عند أصحابه وأربابه، لايختلف عندهم عن الفقه العادي، وإن بدا غامضا لدى الآخرين، فإن له من المبادئ والقواعد والضوابط ما يجعله منضبطا واضحا عند العالمين به، ومقنعا قويا لدى المعترضين عليه…
2- ومما يؤكد هذا الوضوح له عند أصحابه، تسمية القرآن الكريم للأحكام المستندة عليه (علما)، والعلم لا يكون إلا في اليقين، أو غلبة الظن التي عاملها الشارع معاملة اليقين في الأحكام الشرعية…
ومن هنا سمى القرآن الكريم نتيجة الامتحان الظنية للمؤمنات المهاجرات علما، فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ…)
ومثل هذا فعل القرآن الكريم عندما أمر المسلمين أن يرجعوا في مسائلهم الدقيقة الكبرى، كمسائل الخوف والأمن إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، فقال سبحانه: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)، فسمى اجتهادهم في هذه المسائل ونتيجة موازناتهم فيها علماً، مع أنها قائمة على غلبة الظن في معظم أحوالها…
3- ولا يضير فقه الموازنات، ولا الأحكام والمواقف المبينة عليه أن يراه الآخرون من المفكرين غير الفقهاء، أو من عامة الناس غريبا غامضا!! شأنه في ذلك شأن الموازنات الدقيقة في أي علم من العلوم، فقد يستغرب طالب الطب، وبعض الأطباء مثلا من قرار لجنة استشارية عليا من الأطباء بإجراء عملية جراحية دقيقة في القلب أو المخ، إذ يرونها بحسب علمهم موتا محتما! وذلك بحسب معطياتهم وقدراتهم العلمية، ولكنه لا يحق لهم أبدا الاعتراض على قرار تلك اللجنة.
وقل مثل هذا في أي موازنة دقيقة تقوم على هذا الفقه، وفي أي علم من العلوم…

وسأضرب في المقالة التالية -إن شاء الله- أمثلة عديدة على وضوح هذا الفقه لدى أربابه، دفعا لمثل هذه التوهمات والإشكالات.