القاعدة والفائدة الدعوية السابعة عشرة في جانب التعليم
أيها الأحبة:
ومن أساليبه صلى الله عليه وسلم في التعليم: رعايته الفروق الفردية في المتعلمين:
فقد كان صلى الله عليه وسلم شديد المراعاة للفروق الفردية بين المتعلمين من المخاطبين والسائلين، فكان يخاطب كل واحد بقدر فهمه وبما يلائم منزلته، وكان يحافظ على قلوب المبتدئين، فكان لا يعلمهم ما يعلم المنتهين، وكان يجيب كل سائل عن سؤاله بما يهمه ويناسب حاله.
روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك – رصي الله عنه -:
( أنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ – ومُعاذُ بنُ جَبَلٍ رَدِيفُهُ علَى الرَّحْلِ – قالَ: يا مُعاذُ، قالَ: لَبَّيْكَ رَسولَ اللهِ وسَعْدَيْكَ، قالَ: يا مُعاذُ، قالَ: لَبَّيْكَ رَسولَ اللهِ وسَعْدَيْكَ، قالَ: يا مُعاذُ، قالَ: لَبَّيْكَ رَسولَ اللهِ وسَعْدَيْكَ، قالَ:
ما مِن عَبْدٍ يَشْهَدُ أنَّ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسولُهُ، صِدْقاً من قَلْبه، إلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ علَى النَّارِ، قالَ: يا رَسولَ اللهِ، أفَلا أُخْبِرُ بها الناس فَيَسْتَبْشِرُوا، قالَ: إذًا يَتَّكِلُوا ).
فأخْبَرَ بها مُعاذُ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا.
نقل شيخنا في تعليقه في الحاشية على حديث أنس بن مالك السابق عن الحافظ ابن رجب في شرح البخاري:
( قَالَ الْعُلَمَاءُ: يُؤْخَذُ مِنْ مَنْعِ مُعَاذٍ مِنْ تَبْشِيرِ النَّاسِ لِئَلَّا يتكلوا: أن أَحَادِيث الرُّخص لا تشاع فِي عُمُومِ النَّاسِ، لِئَلَّا يَقْصُرَ فَهْمُهُمْ عَنِ الْمُرَادِ بِهَا، وَقَدْ سَمِعَهَا مُعَاذٌ فَلَمْ يَزْدَدْ إِلَّا اجْتِهَادًا فِي الْعَمَلِ وَخَشْيَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مَنْزِلَتَهُ، فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يُقَصِّرَ اتِّكَالًا عَلَى ظَاهِرِ هَذَا الْخَبَرِ ). ثم قال شيخنا:
( وعلى هذا المنوال مِنْ تَرْكِ التحديث لكلِّ واحدٍ بكلِّ شيء، جَرَى عَمَلُ الصحابة، فَمَنْ بعدهم من أهل العلم، فقد روى الإمام البخاري في كتاب العلم عن علي – رضي الله تعالى عنه – قال: حَدِّثُوا النَّاسَ، بما يَعْرِفُونَ أتُحِبُّونَ أنْ يُكَذَّبَ، اللَّهُ ورَسولُهُ ). صـ 81 – 82.