القاعدة والفائدة الدعوية الثالثة والثلاثون في جانب التعليم
أيها الأحبة:
ومن أساليبه صلى الله عليه وسلم التعليمية: تَفْويضُه الصحابيَّ بالجواب عما سُئِلَ عنه لِيُدَرّبَه.
ومن ذلك: ما رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال:
( كان أبو هريرةَ – رضي الله عنه – يُحدِّث: أنَّ رجلاً أتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مُنْصَرَفَهُ من أُحدٍ فقال: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي المَنَامِ ظُلَّةً – أي: سحابةً – يَنْطُفُ منها السَّمْنُ وَالعَسَلُ، ورأيت النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا بأيديهم، فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالمُسْتَقِلُّ، ورأيتُ سَبَباً – أي: حبلاً – وَاصِلاً مِنَ السَّمَاءِ إلى الأَرْضِ، رأيتك يا رسول الله، أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ به، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ من بعدك فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ بعده فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ بعده فَانْقَطَعَ به، ثُمَّ وُصِلَ له فعلا به.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي وأمِّي أَنْتَ، وَاللَّهِ لَتَدَعَنِّي فَلأَعْبُرَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اعْبُرْهَا. قَالَ: أَمَّا الظُّلَّةُ فَظلة الإِسْلاَمُ، وَأَمَّا الَّذِي يَنْطُفُ مِنَ العَسَلِ وَالسَّمْنِ فَهو القُرْآنُ، حَلاَوَتُهُ ولِينهُ، وأما ما يتكفف الناسُ من ذلك فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنَ القُرْآنِ وَالمُسْتَقِلُّ منه، وَأَمَّا السَّبَبُ الوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فَهو الحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ ، تَأْخُذُ بِهِ فَيُعْلِيكَ اللَّهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ بعدك رَجُلٌ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُه به رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ، ثُمَّ يُوَصَّلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ.
فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ، أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ فقَالَ رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا، فقَالَ -: فَوَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَتُحَدِّثَنِّي ما الَّذِي أَخْطَأْتُ؟ فقَالَ النبي – صلى الله عليه وسلم -: لاَ تُقْسِمْ يا أبا بكر ).
وقد عَلَّق شيخنا رحمه الله على هذا الحديث تعليقات مهمة موضحة يُرجع إليها في كتابه.